يلعب الراشد السوي في حياته العملية والاجتماعية عدة أدوار تلبي لديه احتياجات متعددة وضرورية نفسية وجسدية...
فمن غير المقبول أن يقتصر وجود الفرد على دور واحد جامد ومحدد لأن في ذلك هدر وضياع لطاقات هائلة ولا تقدر بثمن لدى المخلوق البشري، وليس من السواء أن يرتاح أحدنا لدور ما ويتمسك به دون أن يسعى لإضافة أدوار جديدة لوجوده الاجتماعي وذلك حسب تغير البيئة من حوله وحسب قدراته وإمكانياته الغير متناهية، تلك الأدوار التي تقود في النهاية لبناء إنسان ناضج ذو شخصية متكاملة قادرة على مواجهة أي شيء غير مألوف دون قنوط أو يأس.
وتتعدد الأدوار الاجتماعية وتختلف طبيعتها وتتغير ملامحها تبعاً لمراحل دورة حياة الإنسان (مراحل النمو المختلفة) وحسب النوع (الجنس)، ففي إطار الأسرة مثلاً نلاحظ اختلاف دور الأنثى الاجتماعي بعد الزواج عن دورها قبل الزواج، ففي ما سبق كان دورها مقتصراً على دور الابنة والطالبة أو الفتاة العاملة أما عند دخولها في مرحلة حياتية جديدة، وأقصد بعد الزواج لا بد أن يختلف الأمر قليلاً أو كثيراً حسب درجة التباعد ما بين الأدوار السابقة والحالية، فهي تبقى الابنة وهناك بعض الشك في بقاء دورها كطالبة أو فتاة عاملة ولكن ما لا يحتمل الشك أنها ستمارس دور جديد لا مفر منه كزوجة وربة منزل، وهكذا تلازمها بعض الأدوار ويفارقها البعض الآخر ويضاف لوجودها الاجتماعي أدوار جديدة حسب مقتضيات الحياة والظروف المستجدة.
ولا بد من أن أي دور اجتماعي يمارسه الفرد في حياته يفرض عليه واجبات ويعطيه حقوق، فقد نرى أشخاص يطالبون بحقوقهم انطلاقاً من أدوار يقومون بها دون إعطاء أهمية تذكر لما عليهم من واجبات أيضاً وانطلاقاً من نفس تلك الأدوار، فكم من معلمة تطالب تلاميذها بالاجتهاد والعمل بجد وتأدية الواجبات المدرسية (انطلاقاً من دورهم كتلاميذ ومن دورها كمعلمة ومربية أجيال وصاحبة سلطة) وتتجاهل ما يحمله ذلك الدور لها من واجبات تتمثل بكونها قدوة في سلوكها السوي وفي تأدية عملها بضمير يقظ وعلى أحسن وجه والجاهزية الدائمة للإجابة عن أي استفسار أو سؤال من قبل التلاميذ وتوضيحه وكل ذلك بهدف الارتقاء بجيل المستقبل.
وينقلني ذلك لمجال العلاج النفسي للحديث عمن ينادي بأسلوب لعب الأدوار كطريقة لمعالجة بعض الاضطرابات والمشكلات النفسية، فكل منا يعرف تمام المعرفة أن البعض قد يسعى للعب دور معين في الحياة لإشباع رغبة أو حاجة ما، ولكن وكما يقال ( تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ) فقد نرى شخصاً ما قام بعدة أدوار، أي مارس دوره كابن وأخ ثم كزوج سعياً وراء ممارسة دور أكثر أهمية بالنسبة له وهو دور الوالد ولكن لحكمة ما لم يقدر له أن يمارس دور الأبوة، وقد يترك ذلك الحرمان من هذا الدور لديه مشكلة أو اضطراب نفسي قد يؤثر على مسيرة حياته إذا لم يملك القدرة على قبوله بالأمر الواقع وإذا لم يكن على إيمان وقناعة بأن الله قدر ذلك لحكمة قد يعجز هو كإنسان عن معرفة كنهها، وهنا ينصح بعض المعالجين النفسيين بأسلوب لعب الأدوار، ففي ذلك الأسلوب يعطى الشخص الدور المناسب ويسمح له بالتعبير وبشكل حر عما يجول في خاطره دون أي موانع أو عوائق، وكأي أسلوب في العلاج النفسي هناك من يثني عليه في علاج بعض المشكلات النفسية وهناك من لا يرى فائدة تذكر فيه.
ولكن الأمر الغريب والذي لا يختلف عليه اثنان هم أولئك الذين يوصفون بالبشر ويقومون بتمثيل الأدوار المصطنعة وتزيف سلوكياتهم وأقوالهم ليبدو لنا أنهم يستحقون أن يطلق عليهم تسمية البشر ذوي المبادئ والمُثل والقيم العليا وهم كثر في زمننا هذا، فكم من شاب قام بتمثيل دور المحب والعاشق لفتاة ما ثم تبين أنه لا يملك قلباً ليحب، وكم من فتاة لعبت دور الصديقة الوفية وفي وقت الشدائد تبين زيف صداقتها، وكم من طالب عمل تظاهر بالأخلاق العليا وبالأمانة حتى إذا ما تم الوثوق به قام بفعلته الدنيئة، والأمثلة كثيرة، ولكن المصيبة الكبرى عندما لا يجيد أحدهم تمثيل دوره المزيف للوصول لغاياته فيحاول جاهداً أن يمارس دور آخر عسى أن يوصله لتحقيق رغباته ودون كلل أو ملل.
فشتان ما بين لعب الأدوار في الحياة العملية والاجتماعية و أسلوب لعب الأدوار كطريقة للتخفيف من بعض المشكلات النفسية وعلاجها وما بين تمثيل الأدوار المزيفة التي تنطوي على الكذب والنفاق!!!