news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
بحبو حتى في خصام... بقلم : إياد نزيه الدرويش

كما أن الفرح .. الحزن .. التفاؤل .. التشاؤم .. الغضب .. والحلم ........   مشاعر طبيعية  موجودة في حياة كل إنسان , كذلك فإن  الخصام أمر طبيعي جدا ويوجد في حياة أغلب الناس بجميع فئاتهم ودرجاتهم .

ولكن السؤال المطروح عن كيفية تعامل كل منا مع هذه الظاهرة ؟  .


 بالطبع لكل إنسان أسلوبه في التعاطي مع مختلف الأمور الحياتية اليومية والأزمات ومنها الخصام , وهذا الأسلوب يختلف من شخص لآخر , فهناك أشخاص يديرون ويتحكمون بأصعب المشاكل التي تعترضهم  بكل حكمة ودراية وعلى أحسن وجه ,  وهناك  أشخاص آخرون لا يجيدون فن التعامل مع الأمور وينطبق عليهم المثل العامي " إجا ليكحلا آم عماها "

هي ميزة من الله حباها لبعض الناس في طبعهم دون غيرهم كما هو الجمال والطول والقصر وما إلى ذلك من صفات حباها الله للبشر بدرجات متفاوتة لم نخترها أو نتحكم بها نحن , وأيضا لا يمكننا إغفال الدور الهام للخبرة وقوة الشخصية  في هذا المجال .

 وجود الحوار والنقاش أمر طبيعي في حياة كل إنسان ,  الأزواج بين بعضهم وكذلك بين الآباء والأبناء , وأيضا بين الأحبة والأصدقاء , ويخطئ من يظن أن غياب النقاش والحوار واختلاف وجهات النظر في بعض الأمور مثلا هو دلالة على حياة  صحية وسليمة ,  ففي الحياة الزوجية مثلا فإن غياب الحوار والنقاش لا يعني أبدا نجاح هذه  الحياة , وكذلك فإن كثرة النقاش والجدال لا تعني فشلها  بل على العكس فقد يكون غياب الحوار والنقاش بين الزوجين مؤشرا خطيرا وتأكيدا للعزلة والتباعد في علاقتهما .

 فللكلام والحوار العقلاني بينهما فوائد كثيرة  ومنها محاولة الوصول لرأي مشترك بالإضافة لتحريك المشاعر ونفض الغبار عن العواطف الساكنة قبل أن يصل الأمر بينهما لمرحلة الخصام

 الكلام والمصارحة علامتان على صحة العلاقة بين الأشخاص عموما وبين الزوجين بشكل خاص , فهما يساعدان على أن يخرج كل منهما مخاوفه أو تحفظاته أو تساؤلاته نحو الآخر والعبرة دائما في الأسلوب وتوفر الوعي لدى الطرفين أو أحدهما على الأقل , فالوعي والحكمة بالتصرف وفن الكلام وقت الخلاف بين الزوجين كثيرا ما ينتهي بمزيد من التقارب وإذابة الجليد  عن المشاعر بينهما والعكس بالعكس .

 كما أن توفر الوعي والحكمة يجنب كل منهما إيذاء مشاعر الآخر وإهانته بكلام جارح حتى ولو كان صحيحا , كما أن تقدير ظروف الآخر والاحتفاظ بالهدوء في الأزمات كلها عوامل تساعد على أن يكون الخلاف بناء , ويجب أن يتجنب الطرفين التعامل مع بعضهما من منطلق منتصر ومهزوم خلال الخلاف أو الحوار فبالنهاية يجب أن يدرك كل منهما أن النجاح لأحدهما هو النجاح للآخر وكذلك الفشل .

 أيضا على كل منهما تجنب الشكوى لطرف ثالث لأن كثرة ترديد العيوب أو نقاط ضعف  الآخر قد تضخم المشكلة وتعقدها وخاصة في عصر الناس المتطفلين الذين ليس همهم سوى معرفة مكنونات وأسرار الآخرين الشخصية , وليس هناك أفضل من مواجهة الآخر بشكل مباشر وأسلوب راقي حضاري عما يضايقه ويزعجه في الطرف الآخر بدلا من اللف والدوران و تركه في دوامة الحيرة  , على كل منهما أن يأخذ دوره في المبادرة والصلح وأن يعي أن التنازل للآخر في الوقت المناسب ليس ذلاً والأهم ألا يدعا اليوم يمر والشمس تغرب على خصامهما .

 ولنستذكر جميعا حديث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المجال " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث  ليال , فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما من يبدأ السلام " .

 يروى عن محمد بن الحنفية وهو أخو الحسين رضي الله عنه من أبيه أنه قال " تشاجرت أنا والحسين وطال الخصام بيننا حتى بعثت له خطابا أقول فيه : يا أخي , طال الخصام بيننا وأنت خير مني , وأمك خير من أمي ورسول الله يقول خيركما من يبدأ بالسلام وأخشى أن أبدأك السلام فأكون خيرا منك فابدأني بالسلام بالله عليك "

أنظر إلى روعة التواضع في الخصام ,  لاكما يحدث في هذه الأيام حتى بين الأخ وأخيه  والابن وأبيه حيث يأبى كل منهما التنازل للآخر ويعتبر ذلك انتقاصاً منه ومن كرامته فيطغى ويتكبر ويفجر في خصامه حتى يخسر أحدهما الآخر وقد يفرق الموت بينهما فيندم الآخر في وقت لا ينفع فيه الندم ويدرك حينها صغر حجم الخلاف وتفاهة أسبابه أمام فقد هذا الشخص العزيز عليه .

 لنكبر على الصغائر ولنحب حتى في خصامنا مع من نحب على مبدأ " بحبو حتى في الخصام وبُعده  عني يا ناس حرام !!! "

 لا أروع في هذه الحياة من المحبة والتسامح , وأذكر في هذا المجال بيتا رائعا من الشعر للإمام الشافعي يقول فيه :

 "  لما عفوت ولم أحقد على أحد     أرحت نفسي من هم العداوات "

 نعم لا أروع من التسامح في هذا الزمن الصعب  حيث الشح المطاع والهوى المتبع والشهوة الطاغية وإعجاب كل ذي رأي برأيه , وسيطرة حب المال والكبر وإلى ما هنالك من  أمور جعلت النظرة المادية تطغى على كل جوانب ونواحي حياتنا طبعا على حساب الأمور الروحانية  الأهم  , وهناك وصف جامع  لهذا العصر لأحد الحكماء حيث يقول : " إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة , وإعجاب كل ذي رأي برأيه , عليك بخاصية نفسك , خذ ما تعرف ودع ما تنكر , ودع عنك أمر العامة لأن النجاة في هذه المواقف أولى ".

عندما نحب ونتسامح تصبح الحياة  متعة وعطرا ولذة تستحق المتابعة والمعايشة بعيدا عن الحروب التافهة القذرة والسجلات  التي لا تغني ولا تسمن من جوع , اسمحوا لي أن أوصيكم :

 

أحبوا بإخلاص ... أحبوا بتضحية .. أحبوا وانسوا صغائر الخصام ... فالحب عفة وسمو , والحب سحر وجلال والحب متعة الروح والجسد , وهذه الأيام المباركة تعتبر فرصة لمراجعة النفس والصفح عمن أساء إلينا  وكل عام وأنتم بخير

2010-11-22
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد