news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
الفنان الراحل خالد تاجا... بقلم : ريما الزغير

بكثير من الحزن والأسى رحل عنا الفنان القدير  "خالد تاجا ".. غادرنا دون وداع.. وهو الذي كان يحلم دوماً بالغد وبيوم جديد مشرق.. ليحقق الكثير مما في جعبته من الشخصيات والأدوار التي تعبر عن إحساسه بالحياة.. فهو يعطي كل أدواره قطعة من روحه.. ويعطي كل من يلتقيه جرعة من التفاؤل لأنه إنسان  استثنائي بعفويته وبساطته وابتسامة لا تفارق وجهه الحزين.

 


عندما التقيته آخر مرة لإجراء حوار صحفي معه أجابني عن كل الأسئلة التي تدور في ذهني معبراً عن كل ما يدور في ذهنه أيضاً وتحدث بصراحة عن فنه وبسخرية من الحياة أحياناً.  لقد استحق لقب  "عملاق الدراما السورية " كما استحق لقب  "أنطوني كوين العرب " الذي أطلقه عليه الشاعر الراحل  "محمود درويش " كان  "خالد تاجا " كنزاً من كنوز الفن السوري الذي سنذكره ما حيينا وستذكره الأجيال القادمة أيضاً فهو لم يكن شخصاً مميزاً بفنه وأدائه المركب فقط بل كان إنساناً حساساً ومعطاءً قدم الكثير ولم يأخذ سوى القليل.

 

خالد تاجا: حافظت على الطفل في داخلي وما زلت أصدق الناس

 

أدواره كانت متنوعة لكن ذلك لم يأتي بمحض الصدفة بل كان ضمن خطته منذ البداية فعلى الرغم من وجوده داخل الوسط الفني منذ سنوات طويلة إلا أننا لم نلحظ بأدواره أياً من التشابهات رغم تكرار الملامح العامة للشخصيات في أعمال عديدة وهو لا يشبه كثيرين من الفنانين الذين قدموا ولائهم لنوع واحد من الأدوار لأنه رسم الكوميديا بريشته الخاصة فأضحكنا ونال وساماً جماهيرياً بعد نجاحه فيها ثم تصدى للكثير من الشخصيات التاريخية المركبة التي لم يتخلص من تأثره بها بسهولة كما جسد بين هذين النوعين مجموعة كبيرة من الشخصيات الاجتماعية النابضة بالحياة الواقعية وكانت طموحاته تتزايد يوماً بعد يوم لتقديم الكثير مما يحمله من تأملات درامية، حياتية، ملحمية. سألته في اللقاء:

 

* هل أنت راض عن الصورة التي شاهدناك فيها بأعمالك الأخيرة؟

* لم أقدم عملاً في حياتي وكنت راضياً عنه بشكل كامل دائماً تكون نسبة الرضا 50% وفي كل مسلسل أتمنى إعادة تمثيل الدور بظروف أخرى بعيداً عن تأثير الكاميرا والناس والجو العام المحيط بي أنا كأي ممثل في العالم وليس في سورية فقط وافقت في بداياتي على كثير من الأدوار من أجل الانتشار والأجر ولم تكن تتشابه مع طموحي طبعاً لكن بعد أن حققت سمعة فنية واسماً معروفاً صارت خياراتي دقيقة جداً.

 

* أعمالك تبدو وكأنها تحمل توليفة معينة من الأدوار المركبة كدور  "الأعمى " في  "ظل امرأة " فما الذي تتطلبه منك هكذا أعمال؟

بانوراما الممثل يجب أن تكون منفتحة على كل المجتمع فمن خلال مشاهداته يكوّن مخزوناً في العقل الباطن عن كل ما يراه في حياته من شخصيات لذلك عندما يعرض عليه أي دور يبحث في داخله باللاشعور عن ما يشبه هذا الدور مما رآه في حياته ويستحضر تلك الشخصية من داخله وهذا ما حدث معي ليس بالضرورة أن أذهب لمجالس العميان متقصداً لكي احضّر لدوري لكني أريد الإشارة لمسألة مهمة جداً وهي أن الممثل يستطيع أن يدخل إلى عقله الباطني أثناء الوعي وليس في الحلم ويستحضر أي شخصية يريدها وهذا لا يستطيع القيام به الإنسان العادي الذي يدخل لعقله الباطني أثناء الحلم فقط هذا ما يسمونه علم الفراسة أي القدرة على قراءة الناس وتحليل شخصياتهم ولا أبالغ إذا قلت أني عندما أكون في سيارتي أستطيع أن أكتشف شخصية الشخص الذي يقود سيارته أمامي من طريقة قيادته للسيارة.

 

* ما هي الأدوار التي تشعرك بالتعب؟   

الشعور بالتعب أمر طبيعي لكني لا أشعر بالصعوبة بأي دور أمثله بل على العكس عندما أجسد دوراً صعباً أشعر بالفرح لأني أخرج كل ما في داخلي من مخزون لاسيما أني أبتكر لكل شخصية ألعبها حلولاً ومفاتيح وأمثلها بكل استمتاع مهما كانت الشخصيات مختلفة عن بعضها أدواري كبصمات الأصابع في اليد الواحدة تنتمي للشخص نفسه دون أن تشبه بصمة الأخرى.

 

* ما الذي تضيفه على شخصياتك؟

الكثير، أحياناً تكون الشخصية دون ماضي ما يستوجب أن نخلق لها ماضياً يناسبها والسبب طبعاً يتعلق بندرة وجود كتاب جيدين في وسطنا الفني وقد قرأت نصوصاً كثيرة دون ملامح للشخصيات وكلها كانت متشابهة وهنا يأتي دور الممثل بالاشتغال على دوره لذلك تكون الإضافات كثيرة.

 

* خالد تاجا أنت من الممثلين الذين عملوا مع الكثير من المخرجين ونحن نراك تشارك في سبعة أعمال أو أكثر في السنة الواحدة وهذا ما يؤخذ عليك كممثل بماذا تبرر ذلك؟

أعترف أني أجسد  7 أو 8 أدوار في السنة الواحدة وكلها كانت تعرض بشهر رمضان المبارك لكني أسألك هل لاحظت أن أي شخصية من هذه الشخصيات متشابهة أنا أعطيت كل شخصية حقها ولم تؤثر واحدة على الأخرى بسبب قدراتي واحترافي للتمثيل هذا ليس أمراً سلبياً على العكس إنه تحدياً مشروعاً لقد كنت أحياناً أمثل دورين في يوم واحد لكن حسب تجربتي الكبيرة أصبح من السهولة علي الخروج من حالة للدخول في حالة أخرى.

 

* هل حدث وتأثرت بشخصية مثلتها؟

حدث معي هذا الأمر مرتين الأولى في مسلسل  "الزير سالم " من خلال شخصية  "ابن عباد " والثانية في دور  "سر النوار " بدور  "نار " لأن هذه الشخصية فيها شيء من جلجامش هذا الشخص الذي يرفض الموت والفناء ويتحدى الحياة الدور كان رائعاً وقد لعبته بتقنية مختلفة عن تقنيات التلفزيون لأني أخذت قليلاً من الأداء الكلاسيكي المسرحي دون المبالغة المسرحية والربط بين هاتين المعادلتين بعمل واحد أعتبره بمثابة الانجاز الكبير لي كممثل لأن معايشة الشخصية مختلف بين المسرح والتلفزيون.

 

* ما خصوصية دور التغريبة الفلسطينية عند خالد تاجا ؟

التغريبة الفلسطينية تحكي عن مأساة شعب عشتها منذ الطفولة فلم يكن عندنا قضية قومية نتحدث عنها إلا قضية فلسطين التي بنينا كل الأحلام بأن نسترجعها وصارت أحلامنا تتكسر يوماً بعد يوم أمام أعيننا لذلك كان المسلسل وسيلة لتفريغ قليل من الحزن المعشش في داخلنا وأنا أعتبر هذا الدور من الأدوار الأولى في حياتي بأهميته وخصوصيته.     

 

* سأخرج قليلاً عن أجواء التراجيديا وأسألك هل تحن للفصول الأربعة التي شاهدناك من خلالها على مدى عدة سنوات متتالية؟

طبعاً أحن وأحب الكوميديا جداً وعندما أمثل دوراً كوميدياً أشعر أني ذاهب برحلة جميلة وهذا الإحساس أشعر به أيضاً عندما أتذكر مسلسل  "يوميات مدير عام " و  "دني " حتى دور الأعمي في  "ظل امرأة " كان كوميدياً دون الاعتماد على التهريج الرخيص وحركات الوجه المبتذلة.

 

* كيف تقيّم مستوى الدراما السورية  "تنفيسية بمجملها أم غاضبة "؟

شريحة كبيرة من المسلسلات السورية غاضبة على عكس المسلسلات المصرية التي تستمر بتقديم النمط التقليدي داخل الاستديو فلا ترى الجدار واقعياً ولا الصورة واقعية الدراما السورية تتميز أيضاً بأنها تصور بأسلوب سينمائي.

 

* بعيداً عن الفن من هو خالد تاجا؟

أنا إنسان منظم جداً وأكره الفوضى كنت أتمنى الاستمرار بهوايتي التي اعشقها  "الرسم " لكن الفن وضيق الوقت شغلني عن الرسم.

 

* بماذا ترد على من يتعرض لك بالأذى؟

أقطع علاقتي به وأتحاشاه لكني لا أفكر أن أرد عليه بالمثل وأنا بشكل عام أتوقع الإساءة ولا أصاب بصدمة من جراء ذلك لذلك لا أعطي ثقتي بسهولة ولا يوجد عندي صديق كلهم رفاق عمل أحياناً يعيش الرجل مع زوجته 20 سنة ويكتشف بعد هذا العمر انه لا يعرفها.

 

* أيهما أكثر في حياتك الحزن أم الفرح؟

الحالتان متوازنتان لأني ما زلت أقف على قدميّ وأتمتع بالذاكرة ولم أتشوه كثيراً من الداخل لقد حققت إنجازاً عظيماً بأني حافظت على الطفل في داخلي وعلى البراءة في خالد تاجا وما زلت أصدق الناس رغم أنهم في الغالب يكونوا كاذبين لكني لا أجرح أحداً وأواجهه بأنه كاذب إلا إذا كنت أحبه وأخاف عليه.

 

* خالد تاجا ماذا يقول عن بيته في سطور::

 * القطع والأحجار والأنتيكا الموجودة في منزلي جمعتها من محافظات عديدة بعد بحث استمر ست سنوات وهذا لم يكن أمراً سهلاً أبداً وتقصدت أن أبقي الغبار والشحار عليها دون تنظيف.

 * تصميم منزل بهذه الروعة لا يحتاج إلى حرفية بل لوجود الذوق بالألوان والاختيار بالإضافة إلى الثقافة المرتبطة بالجذور والتي حصلت عليها من خلال عملي كفنان وخبرتي وتجاربي.

* كل ما في المنزل من اختياري وأفكاري أما المهندسين فقد أتيت بهم فقط لأخذ المقاسات كل أركان بيتي هي جزء من خالد تاجا.

 

بطاقة:
خالد تاجا من مواليد حي ركن الدين في دمشق 1939، بدأ حياته الفنية في فيلم «سائق الشاحنة» الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما بدمشق عام 1966، قدم العديد من الأفلام السينمائية منها: أيام في لندن، الفهد، فيلم العار، كما شارك في العديد من الأعمال المسرحية مثل بيت الآجار، الناس اللي تحت، الطلقة الأخيرة، وله رصيد كبير من الأعمال الدرامية من أهمها التغريبة الفلسطينية، أيام شامية، ليس سراباً، الفصول الأربعة، زمن العار، أهل الراية، أولاد القيمرية، غزلان في غائبة الذئاب، كسر الخواطر، خالد بن الوليد، حاجز الصمت، رجال تحت الطربوش، الثريا، نهاية رجل شجاع، جريمة في الذاكرة، الخبز الحرام، بنات أكريكوز، وغيرها

 

ومضة:

هذه مقتطفات من أحد حواراتي مع الفنان الراحل خالد تاجا.. استرجعها معكم أعزائي قراء  "سيريانيوز " لأنها ستصبح ذكرى.. وهي من أجمل ذكرياتي.. لن أنسى ابتسامته العريضة عندما كان يراني.. وعباراته الكوميدية في التعليق على أي أمر نتحدث به. أعتز بأني التقيتك أكثر من مرة أيها الفنان المخضرم الذي ترك بصمة خاصة له في كل دور جسده وعند أي شخص التقاه.. ستبقى  ذكراك الطيبة بين كل أصدقائك ومعارفك ومحبيك.. بالأمس كنت بيننا واليوم لست معنا.. غادرتنا مبكراً أيها النسر المحلق دائماً في فضاءات الروح يبحث عن مكان يستكين إليه. لعائلتك العزاء ولترقد بسلام في مثواك الأخير. إنا لله وإنا إليه راجعون.
 

 


 
2012-04-09
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب