ربما ومن الأشياء المختلفة - التي تميزت بها الأزمة السورية - عن مثيلاتها في المنطقة العربية، والتي لم تحظ بالكثير من الإهتمام، تتلخص في أن النظام في سوريا لم يتخلى عن أي من مسؤولياته الخدمية التي تطال كل مواطن على الأرض السورية من دون أدنى كلل أو ملل، وفي شتى النواحي الحياتية وعلى مدار الأربعة عشرة أشهر المنصرمة من عمر الآضطرابات التي ألمت بالبلاد.
فأي من المتتبعين للأوضاع الداخلية في سوريا لا يمكنه أن ينكر بأن معظم المشاريع والأعمال المخطط لها من قبل حكومة العطري تم إكمالها ... وبدأت حكومة سفر الشروع بمشاريع أخرى بنسب تنفيذ عالية تضاهي نسب التنفيذ التي كنا نشهدها وقت اللا أزمة، وبتنا نرى بأن هناك دعوات مستمرة للإستثمار على الأرض السورية ( رغم الحظر المصطنع ) والتي كان آخرها دعوة محافظ مدينة درعا للمستثمرين بالعودة لما كانوا عليه قبل بدء الأحداث، والموافقة على البدء باستثمارات إماراتية في مختلف الأصقاع السورية، وازدياد الزيارات الميدانية للكثير من أعضاء الحكومة الحالية لمواقع تنفيذ المشاريع المتعددة، وملاحقة المتعثر منها
ناهيك عن الحرص الهائل من من قبل رؤساء البلديات محافظين المدن لإعادة مدنهم وبلداتهم - التي نالها شيء من الدمار والتخريب - لسابق عهدها وكسوتها من جديد بحلة أبهى مما كانت عليه . وبمتابعة متأنية نجد بأن الطرقات تفتح وتسوى، والعمران يعلو ويستكمل، والمراكز الصحية تزود بكل ما يلزمها وأكثر، ونعكف على المتطلبات المادية والإدارية للعملية التعليمية في المدارس والجامعات،إضافة إلى العناية الفائقة بشبكات الإتصال والماء والكهرباء رغم ما يحاك في خفاء لضرب كل تلك البنى من أجل فرض سياسة التركيع.
ورب متتبع يرعوي لمخالفة ما ندعي مستدلاً على ذلك بتسريح العمال وتوقف الكثير من الفعاليات الاقتصادية والتذبذب المستمر لسعر صرف الليرة وشطح سعر الذهب في السوق السورية...
وله نقول بأن جميع ما ذكر لا يمكن تحميله للحالة الراهنة في البلد، إنما ذلك مرهون بسببين إثنين:
أولهما: حالة الركود في الإقتصاد العالمي، في ظل الهيمنة الغربية على مقدرات شعوب العالم الثالث والتي تعاني منها جل شعوب القارة الأوروبية ذات الإيرادات العالية.
والسبب الآخر : مرده إلى ضعف الحالة الوطنية عند الرأسمالي السوري، والذي لا يلقي بالاً إلا لما يعود علية بالنفع أو الضرر - دون الإكتراث لشؤون الدولة - وليتسبب من دون أن يدري بمشكلات إقتصادية وإجتماعية تطفو وبسرعة على السطح في مثل هذا النوع من الملمات.
وبمقارنة بسيطة بين ما حصل عند الأشقاء وما يحصل عندنا، نجد بأن الثمانية عشر يوماً على الحالة المصرية أوقفت كل الفعاليات الخدمية اتجاه المواطن وتخلت حينذاك الحكومة عن كافة التزاماتها ليضيع البلد بين الحابل والنابل. وفي ليبيا - ومنذ أكثر من عام - لم تقم حتى اليوم أي من مقومات الدولة ولا حتى المتعارف عليه في حكم القبائل أو ما شابه ذلك
والثروات الليبية تنهب وتبدد من دون أي رقيب أو حسيب. وبتونس الخضراء حدث ولا حرج، فالحكومة في واد والشعب في واد آخر ... ولا واصل بينهما سوى كلمة ( تونسي ). وفي الشأن اليمني .. فقد قطعت الماء والكهرباء عن مناطق كثيرة، ولفترات طويلة، وتوقف انشاء الطرقات، وتوقف التعليم، والضمان الصحي، والإتصالات ... وبات المواطن في خبر كان .. لا يدري أفي جرد يعيش أم على فوهة بركان ...
والحال نفسه سيكون في القادم من الثورات حين تنطلق الشرارة الأولى لفعل التغيير، حتى ولو كانت بمباركة غربية وبدعم مالي عربي أو بدون!!! إذاً كل حكومات الدول - التي لاحت فيها ملامح تغيير مرتقب أو ستلوح - تسارع للتخلي عن جل مسؤولياتها اتجاه مواطنيها، لتتفرغ للدفاع عن وجودها في سبيل تأمين استمراريتها في الحكم ... إلا في الحالة السورية ورغم هول التحدي فإن ضروريات المواطن السوري وحاجياته مقدمة على الإنطواء لحماية النظام ... فهل من مجافي لما أقول.