اقتربت الامتحانات ودق ناقوس الخطر، وها هي الأسرة السورية تعلن حالة الطوارئ منذ ما يقارب الشهر هذه الظاهرة الاستثنائية من كل سنة تترافق غالباً بإصدار الأهل العديد من الفرمانات القاسية على الأبناء
فمع قدوم شهر الانقطاع يعيش جميع من في الأسرة حالة توتر وقلق تحتاج إلى شحذ الهمم واستنفار نفسي وعصبي لا مثيل له، تتبدل أجواء العائلة فلا سهر ولا خروج ولا تلفزيون ولا وقت للتسلية والمرح والحالة المسيطرة على الأجواء هي عسكرة الأهل مع الأبناء في المنزل مع تزامن العسكرة بعبارة "يلا عالدراسة عندك فحص ".
ربما تكون هناك مبالغة ما في إضفاء كل هذا الجو المشحون في المنزل على الأبناء، فهذه الشدة قد تزيد من توتر الطالب وتؤثر بالتالي على إنجازه أو قدرته على "الاستيعاب " أو "الحفظ البصم "، طالما كان وما زال المطلوب من الطالب حفظ المادة لا فهمها في كثير من المناهج التي تحتاج إلى إعادة تأهيل تربوي وقد زادت وفاضت بالحشو والتكرار، لكن أحداً لا يكترث بهذه المشكلة والاهتمام الأكبر منصب على الطالب المسكين الذي عليه أن ينجح بمعجزة في ظل غياب تأمين أهم المقومات "النفسية والتعليمية " الأساسية له والتي تساعده على الوصول إلى هذا النجاح، وبالمقابل فإن العديد من الأساتذة يكتبون أسئلة الامتحان على أساس هذا الحفظ الذي يحوّل الطالب إلى ببغاء لا يلبث أن يطير من قفص الامتحان حتى ينسى كل ما حفظه من كلمات..
من جهة أخرى ربما يكون أيضاً لهذه الصولة والجولة من القلق عند الأهل قبل الأبناء مبررها في كثير من الأحيان فالخوف من شبح الامتحان له أسبابه ومبرراته وأهمها الآلية التي تسير عليها الامتحانات، فبعد أن أعلنت وزارة التربية السنة الماضية عن دورة استثنائية للطلاب وتحدثت عن إمكانية تطبيق ما يسمى "بنظام الدورات التكميلية " في السنوات اللاحقة غابت بوادر هذه العملية التي استبشر بها الطلاب خيراً لاسيما أنها تعيد لطالب الشهادة العامة توازنه النفسي نوعاً ما ولم يصدر حتى الآن أي قرار بخصوص هذا الشأن ليعود هلع الطالب وخوفه من الفحص النهائي إلى ما كان عليه بعد أن تنفس الكثير من طلاب هذه المرحلة تنفس الصعداء معبرين عن ارتياحهم جراء إمكانية حل هذه المعضلة، الكثير من الطلاب الذين التقيتهم منذ أيام أجمعوا على تكرار عبارة واحدة تلخص معاناتهم ومعاناة الأجيال التي تليهم حيث قالوا : "متى يأتي من يقول لنا ألغينا الكوابيس، وقتلنا البعبع، وأصبحت الثانوية العامة مرحلة عادية من مراحل الدراسة "؟؟ سؤال برسم الإجابة فهل من مجيب؟؟!!
الدروس الخصوصية هل تحل الأزمة؟؟
ضمن هذه الظروف النفسية التي يعيشها الطالب والمتعلقة بنظام الامتحانات وسلبيات العديد من المناهج كان للدروس الخصوصية النصيب الأكبر من اهتمام الأهل الذين وجدوا فيها حلاً ربما للكثير من مشاكل الأبناء وقد انتشرت انتشاراً كبيراً في الآونة الأخيرة، فلا يوجد عائلة إلا وعلقت أمالاً كبيرة على هذه الدروس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولرفع مستوى الطالب قدر الإمكان والوصول به إلى بر النجاح، ورغم أن هذا الخوف مشروع وحق طبيعي للأهل وحل بالنسبة للطالب الذي يشكو الضعف ربما من الاستيعاب في الصف إلا أن هذه الدروس قد لا تقدم شيئاً للطالب الضعيف في عدد كبير من المواد، خصوصاً إذا كان ينتمي إلى عائلة ذات دخل محدود، وبالمقابل هناك آباء يتبعون أسلوب الدروس الخصوصية رغم أن ابنهم يكون من المتفوقين وليس بحاجة للتقوية وذلك كنوع من تقليد الآخرين، وأحياناً لمزيد من الاطمئنان وإراحة الضمير بأنهم قدموا كل ما يستطيعون لأبنائهم.
القلق الطبيعي والقلق المعوق:
قد يكون قلق الطالب أمراً إيجابياً أو طبيعياً في حدوده العادية التي تحفزه على الجد والتركيز والتصميم على النجاح حيث يقترن هذا الشعور بالإحساس العالي بالمسؤولية ويترتب عليه تنظيم الوقت والتركيز، لكن للقلق أثاراً جد سلبية إذا تجاوز حده الطبيعي وأصبح مبالغاً به، وهنا يتحوّل إلى معوق أساسي للإنجاز وربما ترافق بمظاهر فيزيولوجية واضحة كألم في الرأس أو دوخة أو نوم متقطع أو عصبية، وأحياناً كثيرة يتبادر بانقطاع الشهية للطعام والشرود الطويل، وقد تكون الحالة عكسية حيث تزداد شهية الطالب للأكل ويصاب بمرض النوم فلا يكاد يمسك بالكتاب حتى يغفو بشكل لا إرادي
وبعض الطلاب يدخلون في حالة هستيرية أحياناً تدفعهم إلى البكاء بسبب إحساسهم بالتقصير خصوصاً إذا حاول الطالب استرجاع معلوماته التي درسها وفشل في ذلك، وهنا يأتي دور الأهل في مساعدة أبنائهم على تجاوز هذه المشكلة فالكثير من الطلاب لا يدركون آلية الحفظ ومرور الدماغ بمرحلة الكمون أي "اختمار المعلومات لفترة قبل القدرة على استرجاعه " ويعتقدون أنهم يعانون من مشكلة ما في الحفظ بينما هم لا يحتاجون إلا لقليل من الوقت ليقوم الدماغ ببرمجة هذه المعلومات وتخزينها.
أخطاء يقع بها الأهل
* الكثير من الأهل ينسون أو يتناسون ما يحتاج إليه ابنهم طوال العام من اهتمام وتوجيه ومساعدة على الدراسة ويتذكرون ذلك فجأة قبل الامتحان، فنراهم يجبرون أبنائهم على تعويض كل ما فاتهم خلال فترة الانقطاع القصيرة على حساب أوقات الترفيه والراحة ما يؤدي إلى انهيار أعصاب الأبناء وسوء حالتهم النفسية وبالتالي الفشل في الدراسة والنجاح.
* السلوك الخاطئ جداً عند بعض الأهل في هذه الفترة الحرجة من حياة الطالب هو التهديد والوعيد والتقليل من ثقة الابن بنفسه، وهذا قد لا يؤدي فقط إلى تراجع مستوى الانجاز عند الطالب بل قد يؤثر على حالته الصحية أيضاً كحالة أحد طلاب الثانوية العامة السنة الماضية "وهو ابن صديقتي " الذي قدم كل مواد الامتحان بصورة جيدة جداً لكنه قبل أن يذهب إلى امتحان مادة العربي لحق به والده على باب المنزل وهو يهدده ويتوعد له بالقصاص القاسي إن لم ينجح فما كان من هذا الطالب المسكين إلا أن أصيب بنوبة قلبية بنهاية الفحص وسقط في أرض القاعة قبل أن يكمل الإجابة عن بقية الأسئلة لشدة خوفه من أبيه، والمحزن جداً في هذه القصة أن الأهل عندما اطلعوا على علامات ولدهم الراسب وجدوا أنه قد حصل على علامات شبه تامة في كل المواد "أي أنه كان من الطلاب المتفوقين " لكنه للأسف كان راسباً في مادة العربي فقط بسبب الأزمة القلبية التي تعرض لها!!
* وضع برنامج دراسي للطالب هو الخطأ الأكثر حدوثاً من قِبل الأهل، ومن الأفضل أن يتعاونوا مع ابنهم على ذلك، أو يكون دورهم الإشراف فقط وإبداء الرأي إذا احتاج الأمر، والنقطة الأخرى المهمة في هذا المجال هي عدم إجبار الطالب على دراسة مادة ما صباحاً وأخرى مساءاً فمن المهم جداً أن نترك للأبناء حرية الاختيار، لأن ذلك يعود إلى رغبة كل شخص وميوله العقلية والنفسية وقدراته.
*لا تحددوا أوقات الراحة لأبنائكم بشكل قسري بمعنى " إذا ما شعر الطالب بعدم القدرة على الاستيعاب عليه أن يستريح حتماً حتى لو كان هذا ليس هو وقت الراحة المحدد في البرنامج فالمطلوب هو الدراسة الفعلية وليس الشكلية ، ونفس الحالة بالنسبة للأوقات هناك طلاب يفضلون الدراسة ليلاً وآخرون صباحاً، فلنترك الطالب هو الذي يختار ما يناسبه من هذه الأوقات مع الإشراف الدائم والتوجيه أحياناً.
* لا ترهقوا أبنائكم بالمشروبات المنبهة "الشاي والقهوة " فكثرتها تزيد من توتر الطالب وعدم قدرته على النوم وإذا كان الطالب غير معتاد على المنبهات فلا ضرورة لتقديمها له، المهم هو النتيجة وليس الوسيلة.
* توفير جو هادئ للطالب هو أهم ما يقدمه الأهل لابنهم فالهدوء يساعده كثيراً على تثبيت المعلومات والانتقال من مادة إلى أخرى بسلاسة ومرونة، مع أهمية عدم تغافل الأهل عن دور التغذية السليمة المليئة بالبروتينات والمعادن والفيتامينات في نشاط الطالب الجسدي والعقلي وقدرته على الحفظ والاسترجاع وضرورة ممارسة الرياضة أيضاً ضمن أوقات معينة.
رأي مختص
يقول الدكتور "أحمد عصام الدبسي " نائب عميد كلية التربية للشؤون العلمية في محافظة الحسكة، والأستاذ المساعد في المناهج وطرائق التدريس في كلية التربية – جامعة دمشق :
"الامتحانات في أي مرحلة كانت ومازالت تشكل نقطة الضعف في وجدان أي طالب لما لهذه الكلمة من أثر تراكمي عبر سني الدراسة مما شكل لكل طالب ما يسمى بالقلق الامتحاني ومما زاد في الأمر سوءاً هو دور المدرسة والأهل والأقران حيث أنهم وبغير قصد صعدوا من حجم الأثر المشكلي وولدوا الخوف والرهاب في نفوس الطلاب، ولا ننسى دور النظم الامتحانية التي تعاني الكثير من الهنات في قياس درجة التحصيل الحقيقي عند الطالب، وأنا أجد بأن طلابنا في الشهادتين الإعدادية والثانوية يعانون من ظلم اجتماعي وتربوي خاصة في فترة الامتحانات، وكما أود القول أن طلابنا في الجمهورية العربية السورية في ظل الأزمة التي نعانيها هم أبطال في مجال دراستهم، لأنها ظروف استثنائية في ظل ظرف استثنائي يعيشه الطالب قبل الامتحان هذه السنة ".
وبالنسبة للمناهج يقول د. دبسي:
"اتفق معك بأن هناك مشكلة ما في المناهج ألا وهي أن حجمها كبير من حيث المحتوى العلمي، وهذا ما يسبب للطالب أرق أمام هذا الكم الكبير من الصفحات التي يجب أن ينجزها خلال فترة محددة، لكن هذا لا ينطبق على جميع الطلاب، فالطالب الذي استطاع أن ينظم عملية الدراسة التمهيدية يصل إلى المرحلة الحالية بشيء من الارتياح والطمأنينة باحثاً عن تحصيل أفضل وليس عن فرصة نجاح سريعة
كل ما هو مطلوب في الوقت الراهن "وهو وقت الذروة في التحصيل " تنظيم الوقت والدراسة المتأنية، أما بالنسبة للأهل فهم المناخ المريح لكل طالب وخاصة بعد انقطاعه عن الدوام المدرسي والتزامه في بيته تحت رعاية أبوية، لكني أقول للأهل "لا إفراط ولا تفريط "، فليس المطلوب منا في هذه الرعاية خنق أنفاس أبنائنا وتكبيلهم بحجة الدراسة، إنما إتاحة الفرصة لهم بالترويح عبر أي وسيلة متاحة وضمن نواظم الوقت المخصص لذلك
كما أتوجه للأهل بألا يطالبوا أبنائهم بما يفوق طاقاتهم كي لا تأتي النتائج مخيبة للآمال، أخيراً أقول أن طلابنا اليوم في حالة لا يحسدون عليها وكل مواطن سوري في حالة استفزاز واستنفار وتوتر دائم من جراء ما نراه وما نسمعه وما ينتظر هذا البلد وطلابنا ليسوا خارج دائرة هذا التوتر ومهما حاولنا إبعادهم عن تلك المؤثرات فهي أقوى من كل شيء، لذلك كان الله في عون سورية وأبنائها وحمى الشام وأهلها من كل شر ".