news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
لماذا يكرهوننا: أمريكا تسأل ولا تريد لأحد أن يجيب...بقلم : وائل ديوب

"عودي إلى بلادك يا إرهابية".. رسالة كراهية من قاموس العنصرية الأمريكية تركها قاتل أمريكي في منزل مهاجرة عراقية في قلب أمريكا-بلد الحرية والديمقراطية!!!


يتمتع الأمريكيون بالتفوق، يكرههم العالم ويحتاجهم، يتمتعون بحرية كراهية الآخرين الى حد القتل والخراب، ويريدون من جميع شعوب العالم أن يحبوهم ويحترموهم ويعترفوا بتفوقهم، دون أن يتذكروا للحظة واحدة أن المجتمع الأمريكي يضم في بنيته نخبة من مهاجري البلدان التي يدمروها. ولم يستطع الرئيس باراك أوباما أن يخفي هذه الحقيقة حتى مع أشد أعدائه حين قال "هنا في الولايات المتحدة يزدهر الأميركيون من أصل إيراني ويساهمون بشكل كبير في ثقافتن"

 

في أعقاب تفجيرات 11أيلول2001 تساءل الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش ببساطة "لماذا يكرهنا العالم مع أننا شعب طيب؟!" وأجاب بتبسيط أكبر في معرض رده على أسئلة حول أسباب التفجيرات "لأنهم يكرهون الحرية"، وأوضح "إن الإرهابيين لا يطيقون الحرية..إنهم يمقتون المجتمعات الحرة". وذهب عرّاب الحرية بعيداً حين بدّل تسمية حملته على الإرهاب آنذاك من "حرب تحقيق العدالة المطلقة" إلى "حرب الحفاظ على الحرية"، ثم أطلق على غزوه للعراق "حرب حرية العراق".

 

ثم خلفه الرئيس باراك اوباما على رأس حملة شعارها التغيير ودعوة لمزيد من الحريات لشعوب العالم، وكان متحمساً لأن ينأى بنفسه عن "أجندة حريات" سلفه،  فقام بتعزيز التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان، لأنه يحرص على مساعدة الأفغان على العيش في حرية. وتجلت الحرية عنده ، في ربع ولايته الأخير، في مناطق عازلة على غرار المنطقة العازلة بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، التي وصفها مؤخراً ب"حدود الحرية"، دون أن يذكر 28 ألفاً و500 جندي أمريكي يرابضون خلفها.

 

ويحلو للرئيس أوباما الحديث عن "الكرامة" أحياناً، لأنه يعلم في داخله أن الديمقراطية والحريات لا تحظيان بمكانة كبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية.

الولايات المتحدة الأمريكية اليوم وبفعل الحرب المزعومة من أجل الحرية تسوّق لجغرافية سياسية جديدة تنوي فرضها بالقوة "الصلبة أو الناعمة" لتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية لشعوب العالم!!!

 

لقد شهد الماضي قوى وامبراطوريات كبرى في بعض المجالات، لكن في نهاية القرن العشرين لم توجد سوى دولة واحدة تحقق لها التفوق في جميع المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، يقابل ذلك تقاعس الدول الكبرى الأخرى عن القيام بدورها العالمي تحت تأثير موروث تاريخي ثقيل.

 

صحيح أن لدى أمريكا الإرادة وحب السيطرة والزعامة العالمية، لكن الدول الأخرى الكبرى لديها أخطاؤها وفشلها المتراكم في إيجاد حلول عالمية. فأوروبا الغربية بأخطائها الماضية أفسحت المجال رحباً أمام ظهور أمريكا كقوة عظمى. الأوروبيون الغربيون هم الذين تسببوا في إشعال حربين عالميتين، وقبل ذلك احتلوا دول العالم الثالث ونهبوا خيراتها وحرموا شعوبها الحرية، ثم ساندوا أمريكا ضد دول المعسكر الاشتراكي وحلف وارسو، وصولاً الى انهيار الاتحاد السوفياتي، وواصلت أمريكا وبريطانيا لعبة تغيير أنظمة الحكم في العديد من البلدان العربية وغيرها من دول العالم في مرحلة مابعد الاستقلال الوطني.

 

وقد اعترفت بريطانيا، الحليف الأوروبي الأوثق لأمريكا، بتلك الأخطاء على لسان وزير خارجيتها الأسبق جاك سترو، حين أعلن في معرض حديث عن الأخطاء التاريخية التي ارتكبتها بلاده "أن الكثير من المشاكل التي ينبغي علينا تسويتها الآن هي من نتائج ماضينا الامبريالي"، ولكنهم عوضاً عن تصحيح هذه الأخطاء والعمل على حل مشاكل العالم بالتشارك مع باقي القوى العالمية، نجدهم يعيدون أخطاءهم لاستعادة أمجادهم!!

 

ويأتي الرفض الروسي الصيني المشترك لمشاريع الهيمنة الأمريكية الأوروبية ليس من كونه تعقلاً استراتيجياً فحسب، وإنما اعترافاً بخطأهم في الاستهانة بالنوايا الغربية، وشعورهم بخطر التوجه الأمريكي الذي قطع شوطاً بعيداً على مدى عقدين عقب انهيار القوة المنافسة.

أمريكا اليوم تبدو في صورة مزدوجة. فهي محسودة من قبل الدول الكبرى، بما فيها حلفاؤها في أوروبا الغربية، الجميع يقلدها ويحتذي بها، ومكروهة بسبب جبروتها الذي تمارسه على الجميع بمن فيهم الذين يصنفون في معسكرها.

 

لقد نأت أمريكا عن مبادىء العمل الدولي المشترك واستدارت نحو استخدام القوة بأشكالها مهما كلف الثمن، وسارعت إلى نقض كل ما من شأنه الوقوف أمام تطلعاتها الأحادية وتصرفاتها الفردية. فمصالح أمريكا أولاً وأخيراً، وعلى العالم أن يفهم ذلك ويرضخ للأمر الواقع.

 لقد أكد قادة أمريكا منذ نهاية القرن التاسع عشر على حق الحكومات الأمريكية غير القابل للتفاوض بتحقيق أمن أمريكا، وكان كل تحد تواجهه يعتبر بنظرها حرباً بين الخير والشر، وكل خصم أو عدو ينبغي التعامل معه بحرب شاملة لفرض استسلامه دون قيد أو شرط وإعادة تنظيم بلاده المهزومة، وعلى الشعوب أن تختار بين أمرين، التأمرك أو الإرهاب، وقد استبدلت الخيار الثاني بالحرية وتحقيق الديمقراطية، ودائماً بالمفهوم الأمريكي.

 

لقد أصبحت أمريكا بلداً تحيط به الكراهية، ولا يعقل أن يكون السبب هو الحسد والغيرة من "الحرية والديمقراطية" والتطور والثروات والرخاء الذي يتمتع به الشعب الأمريكي، بل إن المجتمع الأمريكي تتنازعه تيارات كثيرة متناقضة أبرزها تيار يرى القيم، التي بني عليه المجتمع الأمريكي من حرية وعدل وحق للشعوب في تقرير مصيرها، رصيداً حضارياً، وتيار يدعو إلى التصرف من طرف واحد، رموزه أصحاب المصالح الرأسمالية ومجموعات الضغط الصهيوني واليمين المسيحي المتطرف، ولا يهمهم ما يلحق من مضار بسمعة أمريكا. وقد عبّر الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عن هذا التناقض بقوله "إن أمريكا كانت في الماضي موضع تقدير عالمي واحترام بصفتها قمة المدافعين عن حقوق الإنسان، لكنها الآن أصبحت هدف المنظمات العالمية المحترمة المدافعة عن المبادىء الديمقراطية".

 

لقد مارست الإدارات الأمريكية المتعاقبة سياسات فتح أبواب الكراهية والحقد، وليس للشعب الأمريكي ذنب فيما يحصل، حيث أنه لا يتمتع بديمقراطية حقيقية، بل يخضع لديمقراطية رأس المال والاحتكارات العسكرية والنفطية التي يعتقد أربابها أن تحقيقها ممكن بعد ترويض قوى العالم كلها والقضاء على استقلالات دوله وقرارات شعوبه وإخضاعها لسيطرة امبراطورية أمريكية جديدة لم يستطيع كثير من القادة الأمريكيين إخفاء طموحاتهم لتحقيقها. ولطالما تساءل الرئيس بيل كلينتون "هل نريد أن نقود العالم أم نحكمه؟!".

 

أمريكا هي التي زرعت بذور الشر في العالم وأشرفت على رعايتها، وما الكراهية المتفجرة بوجهها إلا واحدة من ثمار تلك البذور. أمريكا التي استخدمت ما يسمّون "رموز الإرهاب" في صراعها مع خصومها في مختلف أنحاء العالم، هاهي اليوم تصنفهم خصوماً وتشن ضدهم "حملة مبطنّة"، بشكل مباشر أو بالوكالة، تقتل خلالها الأبرياء وترتكب أفظع الجرائم، ثم تعبر عن استيائها من ردود فعل المقاومين والمظلومين. أمريكا تريد أن تختزل كل مشاكل العالم إلى مشكلة واحدة هي الحرية.

 

إن جميع سلوكيات أمريكا تصب في نهر الكراهية التي تزداد يوماً بعد يوم ضد كل ما هو أمريكي. وهذه الكراهية هي قطعاً ليست بين الشعوب ولا تأتي من الداخل الأمريكي، وإنما من تجليات السياسة الخارجية لأمريكا كقوة عظمى بعيوبها ومساوئها.

إن الشعور بالكراهية لأمركة العالم يتنامى ويمتد ليشمل معظم الدول. وفي العالمين العربي والاسلامي على وجه الخصوص فإن دواعي الكراهية لا تحتاج إلى أبحاث ودراسات. وما يراه العربي والمسلم من انحياز كامل لاسرائيل هو المغذي والمنمي لموجات الكراهية تجاه أمريكا، التي أمست السند الرئيس، إن لم نقل الوحيد، لاسرائيل ضد العرب وقضيتهم المركزية.

 

 وكما أسلفنا، فقد أقر جاك سترو بأن الماضي الاستعماري غير المشرف لبلاده مسؤول عن الكثير من النزاعات المزمنة في الشرق الأوسط وآسيا، حيث قال على سبيل المثال "أن وعد بلفور والضمانات المتناقضة التي منحت سراً للفلسطينيين وبنفس الوقت للاسرائيليين تشكل حدثاً مهماً بالنسبة إلينا، لكنه غير مشرف كثير".

 

صحيح أن أمريكا لم تكن وراء ولادة اسرائيل، لكنها تدعمها منذ الدقائق الأولى لولادتها، مستكملة بذلك الدور الفعلي البريطاني لتضمن حماية أمن اسرائيل وتفوقها العسكرية والتكنولوجي واعتبارها الشرطي الذي يحمي مصالحها. ويتعهد القادة الأمريكيون بأمن اسرائيل وكأنه أمانة بأعناقهم ينبغي الحفاظ عليها، ولم يترك الرئيس أوباما مجالاً للمزايدة عندما اعتبر أن أمن اسرائيل "مقدس"!!!

 

والعرب أصابهم الكثير من الأذى والخداع الأمريكي. فالادارات الأمريكية ما لبثت تلتف حول قضية الصراع العربي الاسرائيلي وتختلق تسميات وتقترح حلولاً لا تتوافق مع منطق ولا تتماشى مع عدالة، وهي بذلك تتحمل المسؤولية كاملة لكل ما يعانيه الشرق الأوسط من عدم الاستقرار وفقدان الأمن والسلام وما يترتب عليه من ردود فعل سلبية.

 

وأمريكا لم تكتف بسياستها المتواطئة كلياً مع اسرائيل والإرهاب الصهيوني فقدمت بكامل قوتها التدميرية إلى المنطقة، ولم يكفها ذلك أيضاً، فتقدمت بمشروعها الشرق أوسطي الكبير لتسيطر على البلدان العربية من الداخل وتنتهك استقلالاتها وتنهي حلم العرب القومي وتطالبهم بالإصلاح في حركة استعمارية من نوع جديد.

 

لقد قال مسؤولون أمريكيون كبار بوضوح أن أحد أهم أهداف حربهم التي بدأوها في العراق وألمحوا إلى نقلها إلى دول عربية وإسلامية أخرى، هو تغيير الذهنية في المجتمعات الإسلامية وإرغام الحكومات على تغييرات وإصلاحات تنسجم مع القيم والمصالح الأمريكية تحت غطاء أكاذيب الحرية والديمقراطية المضللة. فكيف تريد الولايات المتحدة الأمريكية أن تغير الذهنية القائمة على المحبة والسلام والتعايش السلمي وتجد لذلك الأساليب التي تراها مناسبة، ولا تريد أن تغير ذهنيتها القائمة على فرض هيمنتها بالترهيب وتكريس وجودها بالقوة، ثم لا تريد أن تجد الجواب على سؤالها "لماذا يكرهونن" وبما أنها لا تعرف السبب.. فلا عجب.

 

فهل كلّف المسؤولون الأمريكيون أنفسهم عناء البحث عن الأسباب الحقيقية لكره العالم لأمريكا ودوافع مناهضة الأمركة التي أضحت احتلالاً مباشراً للدول.

 

2012-06-01
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد