لماذا نهرب من حقيقة سكنت بداخلنا و كانت شاهداً على أقوالنا و أفعالنا، لماذا لا نعترف بالحقيقة و نضع رؤوسنا في التراب كلما لاح أفقها في السماء حتى تسير بطريقها دون أن نعترضها أو نحتك بها، و لنبقى مرتاحين من قول الحقيقة والاعتراف بوجودها، و نقسم و نقسم بالأيمان المغلظة أننا لم نعرفها ولم يسبق لنا أن قابلناها على الإطلاق و لا حتى سمعنا بها لأنه وببساطة عندما مرت من أمامنا كانت رؤوسنا مغموسة في التراب، وليس المهم هنا إذا كنا قد وضعنا رؤوسنا في التراب بإرادتنا أم رغماً عنا فالحقيقة التي لا تخفى على أحد أن "الجبان واحد والجبن واحد مهما اختلفت أسبابه ووسائله وأشكاله.
صدقوني لا أبالغ فيما أقول فقد غابت وغيبت الحقيقة من قائمة الأخلاق والمثل والمبادئ لدينا، وباتت أفعالنا وأقوالنا حركات وأصوات فارغة من أي معنى فهي مجرد أكاذيب.
و لكي لا تظلمونني سأقص عليكم قصة الحقيقة، دق باب المنزل فإذا بملاك رائع يقف على الباب، أو هو إنسان غير عادي فأنا شخصياً لم أرى مثله قط، وعلى الرغم من إعجابي المبدئي بهيئته إلا أنني لم أفتح له الباب حتى تأكدت من هويته وماذا يريد من حضوره، وبعد أن خُيل لي أني قد عرفت حقيقته من خلال ما بدر منه من سلوكيات وما تلفظ به من أقوال و ما ظهر على وجهه من إيحاءات، سمحت له بالدخول.
وبعد أن أدخلته لمنزلي الغالي وسمحت له بالتجوال في أرجائه وكشفت له عن أصغر التفاصيل في المنزل من المطبخ إلى غرفة الجلوس وحتى غرفة النوم التي تمثل مستوى عال من الخصوصية، وبعد أن شاهد أكثر الأفلام حباً لقلبي وسمع الأغاني المفضلة لدي، وبعد أن شاركني هواءي وماءي، وبعد أن سعد بتواجده معي وأسعدني تواجدي معه، وبعد أن أعطيته الثقة وأخبرته بما أملك من مجوهرات ومقتنيات...
وعلى حين غرة لمعت برأسي الحقيقة ( حقيقة شخصيته )، وبت أسأل نفسي هل ما بدر منه من حسن استخدام أدوات المطبخ والاهتمام بأثاث المنزل ونظافته وعدم اصداره الضجة بالمنزل حتى لا يسبب لي الإحراج مع جيراني... هل كان كل ذلك حباً لي وحرصاً على منزلي الغالي على قلبي ورغبة منه في جلوسه لدي أطول مدة ممكنة وحتى للأبد؟؟؟
أم أنه مجرد عابر سبيل طرق عدة أبواب و لم يجد من يفتح له الباب ويحسن استقباله واستضافته فما كان منه إلا أن طرق بابي... وبشكل أناني لإرضاء نفسه وذاته وإشباع حاجته فقام بالتمثيل وتظاهر بحسن السلوك حتى ينعم بحسن الاستضافة واستطاع أن يخدعني بصورة غير حقيقية له، وما كان منه في خلسة الليل المظلم و برودة الهواء القارس إلا أن سرق المنزل و رمى بي خارجاً وأكمل مسيرته التي باتت تتمثل بالحقيقة المطلقة في إسعاد ذاته على حساب من سواه.
الآن أرى أننا بحاجة ماسة لامتلاك قدرات من نوع خاص لنستطيع أن نفرق بين الحقيقة والصدق وما سواها (الكذب والخداع)
وختاماً أقول:
حسبي من الحقيقة أن أضع رأسي مساءً على الوسادة - وعلى الرغم من تألمي مما فعل بي ذلك المخادع - مرتاحة الضمير والبال... فحسبي ثم حسبي من الحقيقة أن أنام راضية عن نفسي، أن أنام مظلومة ولست بظالمة.
و حذارِ ثم حذارِ أن يتوهم القارئ للحظة أني أوجه تهمة له أو أني أكتفي بالتنظير فأنا قد لا أقول الحقيقة وقد يكون من الخطأ تعميم تلك الحقيقة على الكل، وقد يكون سبب ذلك ما بدر من عابر السبيل المخادع الذي طرق على بابي، فللأسف وبكل بساطة أصبحنا نعيش بزمن الخداع والكذب والبعد عن الحقيقة والتي أصبحت الحقيقة الوحيدة والمطلقة!!!