news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
مهلاً أيها الحب...بقلم : فادية الشام

من أنت أيها الحب ؟! ما كنهك ؟! ما قصتك ؟!

يا من شغلت العالم منذ بدء الخليقة وستبقى شاغلنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولكن أما زلت أيها الحب محافظاً على صدقك وشفافيتك وبراءتك الحلوة ؟! وهل مازال العاشقون يشعرون بآلامك أكثر من ملذاتك ؟! وهل مازالوا يحافظون على سموك أكثر من ابتذالك ؟! ستبقى أيها الحب تلك القصة الأزلية التي سمعناها ونسمعها ويسمعها أولادنا وأحفادنا ونعيشها يومياً إنها قصة حب الرجل للمرأة وحب المرأة للرجل .


فكم حفل أدبنا العربي على مر عصوره بقصص هذا الحب فمن منا لم يعرف أو يسمع بقصة قيس مجنون ليلى وعنترة وعبلة وقيس ولبنى وجميل بثينة وغيرهم كثر وما قصة روميو وجوليت العالمية إلا واحدة من هذه القصص التي عكست لنا صورة هذا الحب الصادق الساذج البريء الذي يجعل كل واحد منا يتشوق ليعيش أيامه بحلوها ومرها بوصالها وصدودها , بشوقها وحنينها , بهجرها وآلام فراقها وأياً كان فقد كان هذا الحب نواة أسرنا ومجتمعاتنا إذ كانت الزوجة قديماً تسعى لإرضاء زوجها بشتى الوسائل وكانت الأمهات توصي ابنتها ليلة زفافها أن تكون هي وزوجها على الدهر لا هي والدهر على الزوج فكم سمعنا ورأينا من جداتنا وأمهاتنا ترشيداً وتقنيناً للمصاريف لتكون عوناً لزوجها على أعباء الحياة فكانت ملابس الأولاد تنتقل من الكبار إلى الصغار فالأصغر إلى أن تبلى كما كنَّ يقمن بترقيع الملابس والجوارب مرات ومرات وبهذا عبرت أمهاتنا عن أكبر حب حقيقي حب إعمار وإعلاء .

 

ولكن ما بال زوجات هذه الأيام ؟ مالي أرى بعضهن يملأن خزائنهن بالملابس ويقلن هل من مزيد ؟ وتراهنَّ يهملن ما يجلبه الزوج من مؤونة وخضار حتى تفسد لأنها مشغولة عنها بمتابعة آخر صيحات الموضة والمكياج والعطور , وكم من زوجات يدفعن بأزواجهن إلى الجحيم لكثرة مطالبهن فهي تريد شقة فاخرة وفيلا في الأرياف وسيارة خاصة بها غير سيارته لتؤمن مشاويرها وزياراتها دون الحاجة إليه ناهيك عن طلب الأطعمة الجاهزة في البيت أو في المطاعم وبهذا تعبر عن حب تدمير وإفساد .

 

وهذا كله يجبر الزوج على اللجوء إلى أعمال إضافية فيعمل ليلاً ونهاراً بلا كلل ولا ملل حتى يعود منهكاً من التعب أو ربما يمتهن مهنة غير شريفة أو يسير في طريق الكسب غير المشروع مما أدى إلى انتشار الفساد والرشوة وتقهقر مجتمعاتنا .

 

وأياً كان نوع حب الزوجة فإنه يصل بنا إلى أسمى حب وأصدق إحساس في الوجود إنه الأمومة حب الأم لأولادها فهل رأيت مخلوقاً يستعذب الآلام من أجل سعادة الآخرين كيف لا وقد وصفها الله عز وجل أدق وصف حين قال في سورة لقمان (( وحملته أمه وهناً على وهن )) , وفي سورة الأحقاف (( حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً  )) .

 

فتراها تعلن عن حبها لوليدها من كان في رحمها فكلما حرك حركة في بطنها تبسمت وعانقته ودعت له رغم آلامها ولا عجب فقد رآه قلبها وعشقه قبل أن تراه عيناها فكانت تسهر لننام , وتجوع لنشبع, وتعرى لتؤمن لنا الدفء والأمان .. ومثل هذا الحب لا بدَّ أن يكون متبادلاً إذ ترى الوليد يتعرف على أمه أولاً إما من رائحتها أو لهفتها أو بسمتها أو لمساتها الحنونة فترى عينيه تشعان ببريق عجيب إنه وميض الحب والتعلق فهل نستطيع أن ننصفك أيتها الأم وهل وُفِيت حقك إذ جُعلت الجنة تحت قدميك يا نبعاً لا ينضب عطاؤه ويا حضناً لا ينفذ دفئه ويا قلباً لا ينتهي حبه وتضحياته .

 

هل سمعت بحب تثاب عليه ويظلك الله مع السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظلَّه إنه الحب في الله كما جاء في الحديث الشريف (( ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه..))

 

إنه الحب الذي تضمحل وتذوب فيه مصلحة الفرد مقابل مصلحة الجماعة حب موجود في الحضور والغياب لا تغيير فيه ولا تبديل هدفه واحد فقد مسح الله على قلوبهم فألَّف بينهم وجعلهم إخوة في الله , وهذا هو الحب الذي جمع بين رسول الله وصحابته فكان ما كان من تضحيات فلم يكن غريباً ما رأيناه من المهاجرين حين هجروا أهلهم وأموالهم وبيوتهم وهربوا بدينهم وحبهم لرسول الله وما رأيناه من الأنصار الذين قاسموا المهاجرين أموالهم وممتلكاتهم, هذا هو حب الأهداف السامية وبهذا الحب سطروا أجمل حقبةٍ من حقبات تاريخ أمتنا وخلدوا انتصاراتهم وفتوحاتهم في العالم شرقاً وغرباً .

 

فما أحوجنا يا الله في هذه الأيام إلى حب كهذا الحب يجمع شتات أمتنا ويؤلف بين قلوبنا وكم نحن في حاجةِ لك يا سيدي يا رسول الله لتقود هذه القلوب كما قدتها في الأمس بالحب والتعاون  كيف لا ؟ ! وأنت الذي أخبرت صحابتك منذ آلاف السنين أنه سيأتي يوم تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقالوا أو من قِلَّةٍ نحن يومئذٍ يا رسول الله فقلت لا بل كثر ولكن كغثاء السيل وحين سئلت عن السبب قلت لهم : إنه الوهن . فقالوا : وما الوهن يا رسول الله . قلت : حب الدنيا وكراهية الموت .

وقد صدقت يا رسول الله فها هي ذي الأمم تداعى علينا كما تداعى الكلاب إلى قصعتها لتنهش لحومنا , وتسفك دمائنا , وتنتهك حرماتنا , وتدنس مقدساتنا , وتهزأ برموزنا , ونحن لا حول لنا ولا قوة .

 

فمن منا لم يشغله حب الدنيا وملذاتها ومتاعها ونحن نعلم قوله تعالى : (( فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل )) ومن منا لم تشغله الدنيا بمظاهرها الكاذبة الخادعة فراح يلهث وراء زخرفها ليعبَّ منه بلا حساب متى شاء وكيف شاء ويهرول لاكتساب أموالها كيفما اتفق وقد نسي أن هذه الدنيا تقف هازئة بنا وهي   تقول : حذار حذار من بطشي وفتكي ..

 

فلا تجعل اللهم الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا واصرف عنا حب الدنيا فإن حبها إذا استولى أسر , فلا تكن يا عبد الله أسير الدنيا وخادمها بحبك وخضوعك لها بل اجعلها خادمةً لك بإعراضك عنها وبعدم الاكتراث والاغترار بزائلٍ لا محالة فقد وصفها ربنا فقال : (( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) ولذلك فقد ترى أناساً من شدة خوفهم من الدنيا والانغماس بملذاتها ينقطعون عنها وعن الناس بالعبادة في الكهوف أو في بيوتٍ منعزلة ويقضون أيامهم في الصيام والقيام أو ربما يكتفون بما يسد رمقهم من الطعام والشراب ليستطيعوا المداومة على الصلاة والعبادة والتفكر في خلق الله حتى يذوبوا حباً في الله ولعل شهيدة الحب الإلهي رابعة العدوية خير مثالٍ لهذا النوع من الحب لكنَّ صعوبة العيش والحياة تجعل هذا الحب قليلاً فقد حضَّ الإسلام على العمل والكسب الحلال ليعيش الإنسان من كده عيشاً شريفاً دون أن يؤثر ذلك على حبه لله وتأدية فرائضه وعباداته .

 

لهفي عليك أيها الحب !! ماذا جرى لك في عصر العولمة والإنترنت والاتصالات ؟ مالي أراك هزيلاً ضعيفاً وكأنك تلفظ أنفاسك الأخيرة ؟! هل أنت حزين لأنهم يصفونك بأنواع شتى من النعوت الهزيلة , أم لأن الناس انصرفوا عنك لأنك صرت عباءةً يلبسها الكثيرون وتحتها أحقاد دفينة , و أهداف خسيسة , ونفوسٌ حقيرة . فكم سمعنا عن قاصرات هُتِكَ شرفهن وتعرضن للعنف الجسدي باسم الحب , وكم سمعنا عن فتيات مرهفات خُدِعن ووقعن في شِباك شبابٍ غير مسؤول أغروهن بكلام الحب المعسول والوعود الكاذبة فأغمضن أعينهن على أجمل حلمٍ ليستيقظن على مصيبةٍ لا تنتهي .

 

فما هذا الحب الذي يدغدغ أذني ومشاعري بكلامٍ عذبٍ يسعدني للحظات ثمَّ يحكم عليَّ بقية َ عمري بالرخص والتعاسة والانزواء وكم سمعنا عن فتيات متطلعات يحلمن بالغنى والرفاهية والسعادة أزاغوا أبصارهن بحفنةٍ من الدولارات , أو بنزهةٍ في سيارةٍ فخمة, أو ببضع قطع ملابس تساير آخر صيحات الموضة الحديثة مع عشاءٍ في أفخر المطاعم ليصلوا بذلك إلى أهدافهم الرخيصة    و كل ذلك باسم الحب والإعجاب ..

 

كأني بك أيها الحب قد انتهت حياتك في هذه الأيام فقد جعلك الكثيرون تتسم بالأنانية وحب الذات فكلٌّ يغني على ليلاه ويقول أنا ومن بعدي الطوفان فترى أكثر الأطباء وأصحاب المستشفيات قد تخلوا عن إنسانيتهم وأصبحوا تجاراً بكل ما لهذه الكلمة من معنى, وترى حب المصالح طغى على كل شيء فهناك أناسٌ يتزلفون للآخرين ويمثلون عليهم الحب والصداقة لأنهم يستطيعون أن يحققوا لهم مصالحهم الشخصية وما إن يتحقق لهم ما أرادوا حتى ينصرفوا عنهم إلى غيرهم وهكذا دواليك . وترى أناساً آخرين يتاجرون بقوت البشر فيحتكرون البضائع ليتحكموا بأسعارها دون أن يضعوا في حسبانهم حاجةَ الآخرين وقدرتهم على شراء هذه السلع أم لا ...

 

فماذا جرى لكم أيها البشر هل غادر الحب والعطف والإنسانية قلوبكم أم أننا نعيش بداية النهاية ؟!

 

كل ذلك سمعنا عنه ولا نزال نسمع ونرى ولكن العجب العجاب هو أن يدّعي المستعمرون المعتدون حب الشعوب وهم ألدُّ الأعداء فماذا يريد المستعمر من الشعوب غير القتل والتشريد والإذلال فباسم حبهم لنا وخوفهم علينا يرسلون أدوات القتل وسفك الدماء ويحتلون أراضينا , وينهبون خيراتنا , ثم يغرموننا ثمن رصاص قتلنا بعد أن يفرقوننا شيعاً وفرقاً ضعيفةً لا تستطيع الحراك وكل هذا باسم الحب .

 

فمهلاً أيها الحب إذا وصلت إلى ما وصلت إليه فلتلفظ أنفاسك الأخيرة ولتودع الحياة ولترحل عنا لأننا لسنا بحاجةٍ إلى مثل هذا الحب إنه حبٌ يصدق فيه القول (( ومن الحب ما قتل )) ..

 

2012-10-25
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد