news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
و ماذا بعد .. ؟! ...بقلم : الدكتور هيثم محروس

ها نحن نقترب من إنهاء العام الثاني من أزمتنا التي بدأت بحراك هدفه إنشاء دولة مدنية ديمقراطية تحكمها القوانين التي يضعها منتخبون من الشعب و يجري فيها تداول للسلطة تقرره صناديق الاقتراع , لنغرق في صراع مسلح يحمل الخراب و الدمار مخلفاً انقسامات بين أبناء الشعب الواحد لو تنبأ بها احدهم قبل الأحداث لما ترددنا بالاستهزاء منه .


 قد نختلف حول الإجابة على السؤال : من أوصلنا إلى هنا ؟ أو من يتحمل المسؤولية الأكبر في دخولنا إلى هذا النفق ؟ و لكن يمكن أن نتفق على ثلاثة عوامل كانت حاسمة في وصولنا إلى ما نشهده الآن :

 

العامل الأول:

 هو بلا شك إدارة الأزمة التي , و إن أقرت في البداية بشرعية المطالب الديمقراطية , و لكنها بدلاً من أن تضع تصوراً متكاملاً عن الإصلاح المطلوب و تتبنى تطبيقه , و كانت الأغلبية مستعدة للسير معها , اعتبرت أن أي خطوة إصلاحية قامت أو ستقوم بها هي تنازل تقدمه مضطرة و عليها أن تلتف عليه بطريقة أو باخرى , و الأمثلة على هذا عديدة , هذا التردد في اتخاذ خطوات حاسمة على طريق التغيير الديمقراطي و الذي يدل على قصور في إدراك ضرورة التغيير و حاجة المجتمع الموضوعية له , و خوف , غير مبرر , لما يمكن أن يؤدي إليه , هو بالذات ما كان له تداعيات كارثيّة من ناحية فقدان الثقة بإمكانية حدوث التغيير المطلوب عن طريق تراكم الخطوات الإصلاحية وصولا إلى الحالة الديمقراطية المنشودة , و فتح الباب على مصراعيه أمام اللاعبين الخارجيين , و ما أكثرهم , لتجيير الحراك الوجهة التي يريدون , مبتعدين به عن أهدافه الديمقراطية التي قام عليها .

 

 العامل الثاني :

هي المعارضات , و قبل الخوض في أدائها , لابد من أن نعترف بان غياب حياة سياسية حقيقية لفترات طويلة كان السبب الرئيسي لهزالة أدائها و عجزها عن الارتقاء لمستوى الحراك العفوي الذي كانت أول مطالبه سيادة القانون , فبدلا من أن تسعى هذه المعارضات إلى استيعاب الحراك و بلورة مطالبه في برنامج مفصل واضح يرسم ملامح سوريا التي نريد , غرق القسم الأكبر منها في لهاث نحو استجداء التدخل الأجنبي متناسياً الذكرى الحاضرة لما جرّه التدخل الأمريكي في العراق من ويلات لم تنته بعد , و بدلا من السعي نحو تطويق الشعارات الطائفية , وجد قسم هام من المعارضات في إثارة المشاعر الطائفية وسيلة لتجييش الرأي العام و خلق حالة ثورية لم تكن ناضجة في كثير من المناطق و ضمن العديد من الفئات الاجتماعية , و ربما كان إثارة هذه المشاعر البغيضة بالذات وراء القسوة و العنف اللامعقول الذي عشناه و نعيشه الآن عندما حوّل الصراع إلى _" حرب مقدسة _" تجري بين_" كفار_" و بين _" كلمة الحق _" , في بيئة سياسية متخلفة يسيطر فيها رجال الدين على العقول دون منافس .

 

 و فشلت مرارا كل محاولات المعارضة الجادة في الاتفاق على ميثاق يرسم ملامح سوريا الجديدة و أظن أن سبب الفشل يعود إلى خوف البعض من فقدان الزخم الطائفي الذي أوجده على الأرض , و في بلد تشكل الأقليات الطائفية و القومية أكثر من 35% من السكان كان لا بد لهذه الممارسات أن تؤدي إلى ابتعاد متزايد لفئات واسعة , كانت مستعدة في البداية لتأييد الحراك المدني الديمقراطي , عن تأييده خوفاً من المجهول الذي يحمله .

 

 و كان قرار تسليح الحراك الضربة القاصمة للحراك السلمي , فبدلا من السعي لإيجاد بيئة مناسبة لاستمرار الحراك السلمي و إقناع المترددين بالانخراط فيه ابعد المسلحون الجميع و بدأ حوار البنادق يسيطر على الساحة , و أهم ما في الأمر أن السلاح ابعد شعارات الحراك الأولى إلى الزاوية المنسية مستبدلاً إياها بشعارات قائمة على إثارة مشاعر الانتقام و الكراهية . فالمسلح وجد في الفكر الطائفي الايديولوجيا المناسبة للتعبئة و خوض معركة شرسة يتضح أكثر فأكثر انه لا يوجد فيها لا غالب و لا مغلوب .

 إن المتتبع لأداء معظم معارضاتنا لابد من أن يكتشف أنها دائماً ما تختار الطريق الأسهل , فبدلاً من تعبئة الحراك و حمايته و السعي لتوسيع قاعدته الشعبية , لجأت إلى طلب التدخل الخارجي و رفع شعارات طائفية و التسليح وسيلة لتحقيق التغيير .

 

العامل الثالث:

 هو العامل الخارجي .. لن ادخل في نقاش حول صحة نظرية المؤامرة , و لكن كان واضحاً منذ البداية أن الخارج هو متابع نشيط و فاعل لما يجري في سوريا إدراكا منه لما لها من أهمية جيوسياسية كبيرة في هذه المنطقة الحساسة من العالم , لقد استغل الخارج تردد إدارة الأزمة في المضي لتنفيذ التغيير الديمقراطي المطلوب لينفذ إلى تبني الحراك و توجيهه الجهة التي يريد مقدماً له في البداية الدعم الإعلامي و من ثم الدعم المادي و السلاح , ليصبح مع الوقت العامل الحاسم في الأزمة , و أصبح دورنا كسوريين يقتصر على تنفيذ ما يطلبه اللاعبين الخارجيين , و الأهم لم يعد الحراك حراكنا و لا المطالب المعلنة و الشعارات المرفوعة هي ما نريد .و ماذا بعد ؟ هل يمكننا الآن أن نعود إلى مطالب الحراك الأولى ؟ هل يمكننا أن نخرج من دوامة العنف العبثي الذي يدمر البنية التحتية و يزرع أحقادا لانهاية لها ؟

 

 اعتقد بقوة أننا الآن مازلنا نستطيع أن نكسر حلقة العنف المفزعة التي ندور فيها و ندخل في عملية سياسية تخرجنا من الأزمة التي نعيش , فالنظام يدعو الآن إلى حوار وطني يضم الجميع دون استثناء احد , و هو مستعد لطرح كافة القضايا على الطاولة بدءً من صياغة ميثاق وطني يضع أسس عقد اجتماعي جديد يحكم الدولة و مؤسساتها , مروراً بوضع دستور جديد , انتهاءً بالاتفاق على المرحلة الانتقالية , صحيح انه يطلب أن يكون كل هذا تحت إشرافه و لكنها بلاشك نقطة بداية يمكن أن تناقش معه بحضور قوي من المجتمع الدولي الذي أصبح الآن أكثر استعداداً للضغط باتجاه وضع نهاية لما يجري و الذي يصبح شيئاً فشيئاً خطراً يهدد الأمن الإقليمي برمته .

 

و المطلوب من المعارضات أن تكون على حجم المسؤولية التي تقع على عاتقها لإنقاذ الحراك الشعبي و أن تضع رؤية موحدة لسوريا الغد بعيداً عن الرؤى و المصالح الحزبية الضيقة و أن تدخل الحوار الوطني مسلحة ببرنامج واضح و مدعومة بدعم داخلي سيحدده برنامجها و دعم خارجي يسعى الآن إلى الخروج من الأزمة , و في النهاية يجب أن لا ننسى أننا نريد الكرم لا قتل الناطور .

2013-03-02
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد