لم يكن جل الوطنيين السوريين مستبشرين خيراً، بعد تنحي أمير قطر عن سدة العرش، والتنازل عن السلطة طواعية إلى ابنه البار .. لأن جلّنا يعلم بأن الولد سر أبيه.
ولكننا جميعاً شعرنا بسعادة عارمة من جراء هذا الفعل، حتى بات أحدنا يبارك للآخر، ويتمنى أن تدور دائرة السوء على كل من أضمر الشر لبلدنا العزيز، هذا كله ليس لكوننا عانينا الأمرين من الطغمة الحاكمة في قطر، إنما ليقيننا بأننا استطعنا تحقيق شيء عجز عن تحقيقه الكثير من الشعوب العربية، التي اكتوت بسعير المشروع العالمي الجديد الذي إعتدنا أن نصبغه بمسمى الربيع العربي ..
ذلك ما بدا واضحاً عندما أكد عليه الرئيس الأمريكي باراك اوباما في أيار/ مايو عام 2011 أثناء استقباله لأمير قطر حينما قال: سوف يكون لقطر دور كبير في الربيع العربي !.
رغبت قطر - وكما هو معلوم لدى الجميع - بأن تلعب دور الـ - Big Boss - في هذا المشروع التآمري، فسخرت ما تملكه من أموال وعلاقات دنيئة مع رؤوس الشر في العالم في سبيل تحقيق ذلك، لنجدها قد نجحت في تونس أولاً، ثم في ليبيا، فمصر و اليمن .. لتصبح - في بعض الأحيان - تصدر أوامر لقيادات تلك البلدان من أجل تنفيذها دونما إبطاء.
تعاظم شأن الدولة الصغيرة بالمساحة والعظيمة بالدهاء، وأصيب أمراؤها بالخيلاء، حتى ظنوا بأنهم استطاعوا نسج تموضعات جديدة في المنطقة يكون لهم فيها نصيب الأسد. وتمادوا حتى تجرؤوا على أولياء نعمتهم، ورغبوا بمقارعة أسود الشام ... وكل ذلك كان مبرمجاً، ضمن مخطط رسموه مع من شد أزرهم في العقد الأول من الألفية الثالثة .
لن نتطرق ونغوص في تشريح ذلك المخطط العدواني - فقد مللنا من ذاك الأمر - ولكني أختصر وأقول: العبر في النهايات.
عندما نرى بأن رأس الأفعى الـ - Big Boss - يتنحى، ويُشرع في إعادة هيكلة خط المواجهة الأول، نوقن بأن شيء ما قد تغير! ولكننا ولكوننا نقرأ الأحداث بشكل جلي، لا ندعي بأن ما قد دبر في ليل السنوات الإثنا عشر الماضية قد إنتهى. ولأننا مطلعون غلى خفايا المخطط، يمكننا أن نخمّن بأن الخصم إنتقل من الخطة - A - إلى الخطة - B - ، ولا أجرؤ ان أخفيكم سراً مؤاده بأننا لا نملك أي من الدلائل أو المعلومات تفصح عن ماهية الخطة - B - ، ولكني أستطيع أن أؤكد بأن الذي أفشل تنفيذ الخطة - A - في السابق من الإيام، قادر - وبعون الله - من إفشال الخطة - B - بذات الحرفية والصمود المعهودين عند أسود الشام.
ذهب الحمدين من دون رجعة، وأعيدت إدارة الحرب لوجهتها الحقيقية .. وزعت الأدوار من جديد كل بحسب حجمه الطبيعي في السياسة والميدان، وبحسب ثقله المادي وتطلعاته المستقبلية. وأجدني في هذه المرحلة مضطراً لطمأنة المتلقي العزيز بأن الجولة القادمة ستكون وبحكم المنطق متوازنة، ولا تخضع إلا لقوانين اللعب على المكشوف .. فالعامين ونيف كانا كفيلين بفضح المستور، وكشف كل ما حاول الخصم حجبه عن كل ذي بصر وبصيرة. ظهر الحليف من العدو، وانجلت الصورة واضحة، وإتضحت الأهداف الحقيقية، ولم يعد هناك مجال للتخفي وراء شعارات واهية، صار المبتدء منا يعلم المنشود من رفعها، في سبيل الحصول على الغث من المكتسبات، التي يبغون تحقيقها ولو كان بالقضاء على الأخضر واليابس في سوريتنا الحبيبة.
لن أكون متفائلاً زيادة عن المعهود، حتى لا نعود للحالة التي مررنا بها قبل الأزمة. وبالمقابل لن أكون متشائما أيضاً، لأرفض كل طرح من شأنه أن يعيدنا والبلد لما كنا عليه من الأمان والطمأنينة التي ينشدها كل وطني قابع فوق الثرى السوري ... المطروح اليوم - وعلى جميع الأصعدة - حل دولي للأزمة بنكهة سورية، ينهي المظاهر المسلحة قاطبة، لنعود من خلاله لحياتنا التي وعيناها، في فيء مظلة من العيش المشترك، الذي حاولوا أن يقنعوا العالم بعدم وجوده فينا، ولكنهم إكتشفوا - وبعد حين - بأننا نحظى بأرقى أنواع الروابط المشتركة، بين أجناس متنوعة، وبطريقة أبهرت العالم. وبالفم الملآن نقول: من التائج إيجابية لما ألمّ بنا في الحولين الماضيين، أننا أدركنا بأن التعايش الذي كان فينا، يفتقر إليه الكثير من شعوب العالم المتمدن، وبشهاداتهم !
لا أقول شعراً .. ولكنها الحقيقة التي عملوا على تغيبها عن أذهان الكثيرين منا، ليتثنى لهم بسط سطوتهم ونفوذهم علينا، وعند فشلهم إضطروا لعدم نكران المزايا التي جعلتنا قادرين على وقف مخططهم العفن، وعليه فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى رص الصفوف، وربط الحجارة على البطون، فالنور بدأ بالظهور من نهاية النفق المظلم الذي زجونا فيه رغماً عنا .. ولنستعن بقول الله القدير، في كتابه الكريم:
*ولنبلونكم بِشيء من الخوف والجوعِ ونَقص من الأَموالِ والأَنفسِ والثمرات وبشر الصابِرين* صدق الله العظيم.