news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
ديلي تلغراف :ما الذي يجري في تركيا الآن ؟ ... ترجمة : محمد نجدة شهيد

اسطنبول ـــ منذ عام مضى كان أردوغان الشخصية السياسية المهيمنة في تركيا ، ووسيط هام في منطقة الشرق الأوسط يحظى بثقة الغرب مع انفتاح على الشرق في نفس الوقت . وهو يحكم تركيا منذ أكثر من عشر سنوات بسياسة ناجحة تقوم على صيغة حكم سياسية تدريجية قوامها خليط من الالتزام الديني والبراعة الاقتصادية ، ومن صداقات مع الغرب ، ومن علاقات تجارية حتى مع خصومه في المنطقة مثل إيران .


2- ومع هـذا ، وفي الوقت الذي تمر فيه حكومته بأزمة كبيرة منذ الأسبوع الماضي ، بدأت صيغة الحكم السياسية هذه تنعكس عليه لتطارده مع وجود تهديدات جدية بإمكانية سقوط أركان إمبراطوريته من حوله جراء التحقيقات التي تجري حالياً حول فضيحة فساد كبيرة في البلاد . إن خيوط الفضيحة الذهبية ، والتي تضمنت مبالغ مالية كبيرة جرى مصادرتها كانت مكدسة ضمن عشرات من كراتين الأحذية ، والخزائن الحديدية في منازل كبار القوم في البلاد ، تدور حول تجارة النفط مقابل الذهب المربحة بين تركيا وإيران . فقد تم العثور على مبالغ مالية كبيرة من عائدات هذه التجارة مكدسة ضمن كراتين للأحذية في منزل مدير بنك الشعب الحكومي سليمان أصلان . كما تم اكتشاف مبالغ مالية أخرى من هذه العائدات ضمن خزائن حديدية تعود ملكيتها لإبن وزير الداخلية . وأدت فضيحة الفساد هذه إلى تفاقم الشعور بأن أردوغان قد أصبح بالفعل منفصلاً عن الواقع تائـهاً في أوهام اسطورته الذاتية بأنه لا يُقهر .

 

3- وقال عضو البرلمان التركي إيردال كالخان في الأسبوع الماضي ، والذي استقال من حزب العدالة والتنمية الحاكم ، في إشارة إلى أردوغان ، بأنه يُعالج هذه الفضيحة " كما لو أنه يملك البلاد " . وكانت الفضيحة قد ظهرت إلى العلن منذ 12 يومأ تقريباً عندما اقتحمت قوات الشرطة يوم 17 كانون الأول بعض الأحياء الراقية جداً في ضواحي اسطنبول وأنقـرة . وقامت باعتقال سليمان أصلان ، مدير بنك الشعب الحكومي ، و رضا زراب رجل الأعمال الإيراني ــــ الأذربيجاني الحاصل على الجنسية التركية ، ومصطفى دمير رئيس بلدية حي فاتح في اسطنبول ، وباريز جولر ابن وزير الداخلية  ، وصالح تشاغليان ابن وزير الاقتصاد  ، واوغوز بيراقدار ابن وزير البيئة والتخطيط العمراني .

 

4- وعثرت الشرطة في منزل السيد أصلان على كراتين للأحذية مكدسة بالدولارات والليرات التركية قيمتها حوالي 4.5 مليون يورو . كما عثرت الشرطة في شقة ابن السيد جولر على مبلغ 750 ألف دولار موضوعة داخل ستة خزائن حديدية متينة . وكانت هناك آلة لعد النقود في متناول اليد مركونة جنب هذه الخزائن . وقدمت تسريبات الصحف التركية مادة وفيرة من التفاصيل . فكان هناك ساعة يد ماركة باتيك فيليب 5101G السويسرية الشهيرة  قيمتها 350 ألف دولار ، والتي قام أحد مساعدي زراب بالسفر خصيصاً إلى جنيف لشرائها بغرض تقديمها لوزير الاقتصاد ظافر تشاغليان . كما كان هناك مبلغ 70 مليون دولار يُقال بأن زراب أغدقها كرشاوي على الوزراء المعنيين الذين يُفترض أنهم متورطون بتسهيل الطريق أمامه في تجارة الذهب ومجموعة من الصفقات التجارية .

 

5- وجاءت عمليات الشرطة هذه لتشكل ضربة في صميم تناقضات سياسة أردوغان في منطقة الشرق الأوسط ، فبينما تدعم تركيا ثورات الربيع العربي في سورية ومصر وغيرها ، فإنها استمرت في نفس الوقت بتوفير شريان حيوي لإيران أكبر داعم للحكومة السورية . وتقوم إيران منذ وقت طويل ببيع النفط والغاز إلى تركيا ، ولكن بعد أن بدأت العقوبات المفروضة من قبل أمريكا وأوروبا تظهر آثارها على طهران ، أصبح من الصعب بشكل متزايد تمويل هذه التجارة بين البلدين . وقد توقفت طهران خلال شهر آذار الماضي عـن استخدام النظام البنكي الدولي لتحويل الأموال المعروف بإسم السويفت .

 

6- وبغية ضمان استمرار واردات الطاقة الجارية ، ابتكر زراب ، والذي يُقال بأنه مقرب من أحمدي نجاد ، وشركائه بديل ذكي لتمويل هذه التجارة . ونظراً لعدم قدرتهم على دفع ثمن النفط والغاز بعملة الدولار أو اليورو ، كان يتعين على الأتراك أن يدفعوا الثمن بالعملة المحلية الليرة والتي كانت قليلة الاستخدام في إيران .  ولذلك كان يجرى استخدام الليرة التركية لشراء كميات من الذهب ونقلها إلى دبي ومنها إلى طهران في رحلة قصيرة عبر الخليج .  وقد كشفت إحدى التحقيقات أن سبائك ذهب بوزن 36 طن متري تبلغ قيمتها ملياري دولار قد جرى نقلها من تركيا إلى دبي خلال شهر أب 2012 لوحــده معظمها ضمن حقائب يد حملها تجار ذهـب . وكان الزبائن الذي اشتروا هذه الكميات إيرانيون ، وجرى اعتماد دبي كمركز لهذه التجارة بغية التخفيف من المراقبة الدولية . وتقول الصحف التركية الآن بأنه جرى انشاء شركات وهمية في الصين لإعادة توجيه مسار الأموال النقدية المستخدمة لدفع ثمن سبائك الذهب وذلك بغرض مواصلة عمليات تمويه هـذه التجارة .

 

7- ويُواصل بنك الشعب القول بأن دوره في هذه التجارة سليم من النواحي القانونية . ومن المؤكد فإن تحويلات الذهب ، على الرغم من كونها تثير اللغط ، قد جرى تسجيلها بشكل قانوني . وذكر بيان للبنك في سوق الأوراق النقدية ، حيث هبطت قيمة أسهمه بعد اعتقال مديره أصلان ، أن العقوبات المفروضة على إيران لم تكن تشمل تجارة المواد المعدنية لغاية الأول من تموز من العام الجاري . وجاء في البيان " أن مصادر الأموال المستخدمة في هذه المعاملات التجارية ، والأطراف المشاركة فيها مكشوفة وشفافة ويُمكن تتبعها بسهولة في النظام البنكي " . وجاء في البيان أيضاً أن البنك قام بوقف هذه المعاملات التجارية يوم 10 حزيران الماضي عندما أعلنت الولايات المتحدة عزمها توسيع نطاق العقوبات لتشمل هذا النوع من المعاملات التجارية ، و لكن هذا حدث ، وفق حسابات أجرتها الصحف التركية ، بعد أن جرى تسريب ما قيمته حوالي 8 مليار دولار من سبائك الذهب إلى ايران عبر دبي .

 

8- ولم تكن تركيا الدولة الوحيدة المتورطة في هذا النوع من المعاملات التجارية التي تشملها العقوبات المفروضة على إيران . فالهند ، التي تشتري النفط أيضاً من إيران ، قد سُمح لها بأن تدخل على هذا الخط  ، وقد بدأت فعلاً في استخدام بنك الشعب الحكومي التركي لهذا الغرض . ووفق صحيفة ستار الموالية لحزب العدالة والتنمية الحاكم فإن " ديون الهند المترتبة لإيران من شراء النفط تبلغ 5،3 مليار دولار " . وتعتزم الهند تسديد مليار دولار بالشهر إلى إيران ــــــ أي 12 مليار في السنة ــــــ أيضاً عبر بنك الشعب الحكومي التركي .

 

9- ووفق التسريبات التي نشرتها الصحف التركية فإن هذه التجارة ربما تكون سليمة من الناحية القانونية . ولكن من المؤكد أن المبالغ التي دفعها  زراب ، والذي بات يستخدم الآن إسمه التركي المكتسب صراف ، لم تكـن كـذلك . ويُقال أنه دفع خلال السنتين الأخيرتين مبلغ 30 مليون جنية استرليني لوزير الاقتصاد تشاغليان ، ومبلغ 4،7 مليون جنية استرليني لأصلان مدير بنك الشعب الحكومي . وكان زراب ، والذي عمل في صرافة العملة في دبي لفترة من الوقت ، قد بدأ مهنته الجديدة في تجارة الذهب في العام 2011 . وبحلول العام 2012 بات يُسيطر على نصف حجم الصادرات التركية تقريباً من الذهب والتي توسعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة .

 

10- ولولا العدائية الكبيرة التي اتسمت بها ردود فعل أردوغان تجاه فضيحة الفساد هذه لأمكن ربما اعتبارها كواحدة من تحقيقات الفساد الأخرى السابقة في تركيا . إنها فضيحة تثير الصدمة بلا شك ، ولكنها في نفس الوقت ليست أكبر من الفضائح المعروفة في البلدان الأخرى وحتى الأوروبية منها . ولكن أردوغان بطبعه لا يتقبل بسهوله توجيه الانتقادات له . ففي الصيف الماضي ، اتسمت ردود فعله بالغضب الشديد عندما نزل المتظاهرون إلى شوارع اسطنبول للاحتجاج على مشروع تطوير ساحة تقسيم التاريخية وسط المدينة مما أدى إلى أن يتحول الأمر ، من مجرد احتجاج محلي على قطع اشجار الساحة ، إلى أزمـة وطنيـة . وفي اعقاب الاعتقالات التي جرت في الأيام القليلة الماضية ، صب اردوغان جام غضبه على المحققين والصحفيين ، وعلى أمريكا وإسرائيل الذين قال عنهم بأنهم متورطون في مؤامرة ضده ، حتى أنه أعتبر إبنه بلال هدف أيضاً لهذه المؤامرة .

 

11- وجرى إقالة وعزل العشرات من ضباط الشرطة من وظائفهم ، وكان من ضمنهم ممن شاركوا بشكل مباشر في التحقيقات التي أدت إلى هـذه الاعتقالات ، كما حاول أردوغان أن يُصدر أمراً يقضي بأن يتم الإبلاغ بشكل مسبق  عن القيام بمثل هذه التحقيقات إلى الجهات العليا وفق التسلسل الهرمي للسلطة ، ومنها السلطة السياسية ، وذلك لمنع حدوث مثل هذه " المفاجأة " مرة ثانية . ولكن هذا الأمر تم توقيفه من قبل القضاء . كما جرى عزل أحد المدعين العامين الثلاثة العاملين في هذه القضية بعد اتهامه بالوقوف وراء التسريبات الصحفية .

 

12- ووصف وزير الداخلية الأسبق إدريس شاهين حزب العدالة والتنمية الذي انشق عنه مؤخراً بأنه " حزب اقلية يضم سياسيين وبيروقراطيين أهدافهم غير معروفة " ــــــ قد يكون المقصود بذلك تشبيه الحزب بالماسونية العالمية ـــــ المترجـم . وقال شاهين إن أردوغان قد بالغ في ردود فعله على التحقيقات التي تجري حول فضيحة الفساد الحالية ، والتي تضمنت عزل ضباط الشرطة المشاركين فيها ، وبالتالي لا يُمكن " تفسيرها بشكل منطقي أو منصف " .

 

13- وفي هـذه الأثناء قام أردوغان بالالتفات إلى حليف قوي سابق : "حكمت" وهي جمعية تعليمية خيرية إسلامية يوجد أعضاؤها وأتباعها ، الذين كانوا مؤيدين طبيعيين للسيد أردوغان ، في جميع انحاء المؤسسة التركية الحديثة . وبينما كانوا يقاتلون معاً ضد هيمنة الديكتاتورية العسكرية السابقة على كامل مقدرات تركيا ، عمل حزب العدالة والتنمية سوياً مع جمعية حكمت . ولكن زعيم الجمعية فتح الله غولين ، الذي لم يعد أبداً إلى بلده تركيا من المنفى في الولايات المتحدة ، قام أخيراً بالرد ، فقال في رسالة متلفزة قاصداً بكل وضوح أردوغان " أولئك الذين لا يرون اللص ، ولكنهم يركضون وراء الذي يُطارد هذا اللص ، إن شاء الله ربي يحرق بيوتن " .  وقام أردوغان بدوره وعلى الفور بالرد عليه قائلاً بأن الغرباء ، قاصداً بذلك ضمناَ السيد غولين ومضيفيه الأمريكان ، يقومون بنصب شرائك شريرة وخبيثة في بلادنا مستخدمين في ذلك أدواتهم في الداخل لتمزيق وحدة وسلامة تركيا " .

 

14- وكما هي العادة في كثير من الأحيان في السياسة ، فقد تكون ردود الفعل المبالغ فيها هي التي ستجعل العالم يتحطم على رأس أردوغان بدلاً من الفضيحة نفسها . يقول أويا أوزار سلان ، رئيس مكتب منظمة الشفافية ومراقبة الفساد الدولية في تركيا ، " يجب تجنب القيام بأي عمل يُمكن أن يُعتبر بمثابة تدخل . إن الصحافة المستقلة والقضاء النزيه هما العاملان الأكثر أهمية في مكافحة الفساد . ولكن التغيرات التي جرت مؤخراً في صفوف قوات الشرطة ، والمدعين العامين الذين كشفوا هذه الفضيحة ، بالإضافة إلى التغيرات في القوانين الناظمة لعمل قوات الشرطة تترك ورائها عدداً من إشارات الاستفهام " .

 

15- ومن المقرر أن تجري الانتخابات المحلية يوم 30 آذار القادم ، وستكون هزيمة حزب العدالة والتنمية فيها بمثابة توجيه ضربة لمكانة أردوغان على الصعيد الداخلي والتي تشوهت بالفعل على الصعيد الخارجي من جراء الرد السلبي على سياسته المتعلقة بسورية مع اتهام تركيا بالسماح بتمويل وتمرير المقاتلين الأجانب إلى داخل سورية لدعم اهداف تنظيم القاعدة عبر الحدود التركية السورية على حساب المقاتلين " المعتدلين " المواليين للغرب هناك .

 

16- ومع ذلك لا يمكن اعتبار هزيمة أردوغان المرتقبة بأنها ستكون نهاية حتمية وتحصيل حاصل لفضيحة الفساد الحالية . فهناك الكثيرون الذين يقبلون تفسيراته بأن العالم الغربي يتأمر ضده ، وآخرون لا يجدون بديلاً آخر ــــــ السياسة العلمانية منقسمة بحدة بين اليمين واليسار ، وهي منذ سنوات غير قادرة على تشكيل معارضة متماسكة في مواجهة الإسلاميين الذين لا يُقهرون على ما يبدو .

 

17- ومع ذلك ، ومع عودة شرطة مكافحة الشغب إلى شوارع اسطنبول مرة ثانية مساء يوم الجمعة الماضي لمواجهة متظاهرين كانوا يرددون " امسكوا الحرامي " ، فليس هناك أي شك بأن اصوات حشرجة الموت باتت مسموعة من أردوغان  . يقول إردين إيردم ، الباحث في كلية العلوم السياسية في جامعة حجي تبة الحكومية في أنقرة ، أن " فضيحة الفساد الحالية تشكل أخطر تحدي يُواجهه أردوغان وهو في السلطة . وتقوم الحكومة حالياً بتغيير طبيعة المناقشة العامة الدائرة الآن في العلن بدلاً من معالجة صلب القضية الأساسية وهي الفساد " . غـلـن جونسون ، وريتشارد سبنسر  ديلـي تلغـراف .الاثنيـن 30-12-2013 .

2014-01-06
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد