كان وحيداً في بيت الشيطان لدرجة بعثت الرهبة داخل نفسه . أخذ يتحسر على أحواله ويسترجع تفاصيل حياته اليومية التي خلفت ورائها كدمات في وجهه وندوب في روحه . كانت بعض أحداثها محفورة في داخله مثل جرح لا يندمل . فاقت عذاباته عذابات الآخرين .
تذكر من أيام طفولته كيف ذهب في ظهيرة إحدى الأيام
لإصلاح دولاب دراجته الصغيرة . وكيف استدرجه ابن صاحب الدكان شادي الذي يكبره بثلاث
سنوات عندما طلب منه أن يترك الدراجة عند أبوه لكي يصلحها لاحقاً ، وأن يذهب معه
إلى البيت خلف الدكان ليعطيه دراجه تانيه لبين ما تخلص .
لم يعد مروان يتذكر شو صار معه وكيف دارت فين الدار وهنه ولاد صغار. وكيف صار من
يوميته يروح لعند شادي إلى أن قامت البلدية بهدم الدكان والبيت لتوسيع الطريق العام
. ولكن صارت له مشكلة كبيرة في المدرسة بعد ما صار شادي يحكي عن الموضوع وصار البعض
يستنوه عند الحمامات في الفرصة فصار يكره المدرسة وبطل يروح .
وتذكر عمه الهارب من القضاء بقضايا التهريب ومن شركاؤه الآخرين بعد ما سرق أموالهم
كيف كان يأخذ اخته الصغيرة في حضنة ويزيح خصلات شعرها من على وجهها ويضمها إلى صدره
ويقبلها غفلة وهو يدس يده ليداعب نتوء صدرها الذي بدأ في الظهور.
وتذكر كيف دخل عليه شركاؤه بعد أن اهتدوا إلى مكانه وهم يحملون قطعاً من الحبال
المجدولة من القنب . لم يتمكن من رؤيتهم بوضوح بسبب عتمة الليل . كانوا أشبه بظلال
سوداء متداخلة تقترب منه وتحيط به . وقبل أن يعرف ما حدث كانت الحبال تلتف حول عنقه
، وتخنق أوردته ، وسمع مروان صرخاته المخنوقة وهو يحاول الاستنجاد.
تذكر أمه يوم طلب منها أبوه أن تأتيه ببعض السمن . كان أبو مروان يوميتها مشتهي على
أكلة دسمة . طافت بين البيوت وهي تتمايل بأردافها وقد أرخت غطاء شعرها ، وكشفت
قليلاً عن صدرها حتى بانت فتحة نهديها . دخلت أحد البيوت حيث تفاجأ صاحبه بها تدفع
الباب وتدخل في مثل هذه الأوقات . برقت عيناه في نهم وهو ينظر إلى فتحة صدرها .
أحست في هذه اللحظة أنه يضاجعها بعينيه . وعندما قام بفتح علبة السمن ، وهو ينظر
إلى صدرها وارتفاع نهديها ، فتح جرحاً في يده بدل أن يفتح العلبة وأخذ الدم ينفجر
منها .
ثار أبو مروان ثورة تليق بزوج شهم بعد أن قصت عليه ما حدث . وبعد أن تناول الأكلة
الدسمة ، صمم أن تمضي معه إلى بيت الرجل وتسبه . وقفت بالباب ، لكزها أبو مروان
فتقدمت خطوة وصرخت في وجهه بخائنة الأعين : يا ابن المفروكه .. وانصرفت . ونفخ أبو
مروان يومها صدره ومضى مختالاً كالطاووس .
مثل حبات المسبحة ..
وتوالت الذكريات في ذهـن مروان مثل حبات المسبحة . كان هاجسه ترهيب كل الموظفين
بطريقة ثأرية بعد أن استحوذ بالكامل على مدير المخزن في المراحل الأخيرة من حياته ،
وأصبح يُمارس عليه وصاية صارمة . أصبحت أظافره والدم المتراكم تحتها أشبه بالمخالب
الجارحة حتى صار مخيفــاً وخائفـاً . كان ينتابه دائماً الاحساس بأنه لا يشعر
بالأمان . كان يحس في اعماقه إنه في النهاية بقايا إنسان محطم .
نظر إلى الطرف الآخر من الطابق حيث يقبع أخطبوط عجوز ترك بصماته على كل ذكرياته .
لم يعلمه شيء في الحياة سوى كيف يجيد الكراهية التي تسكن في أعماقه . تذكر من أيام
واشنطن كيف كان ينظر في بعض الليالي من ثقب مفتاح باب غرفة نوم المدير في دار السكن
، التي امضى فيها معه أكثر من عشر سنوات ، ويرى زوجة المدير وهي تلف وتدور عارية
مرات ومرات حول السرير ريثما تتمدد عورة السيد المدير ...
وتذكر كيف تركه وحيداً في بيت الشيطان عندما أخذ يدور أوائل العام 2008على المخازن
الكبرى في بلدان أخرى لتوجيه الدعوة لحضور حفل افتتاح فرع جديد للمخزن على طريق
المطار، وكيف اصطحب معه فقط إحدى الموظفات في مكتبه التي كانت تشبهه في كثير من
الملامح وخاصة الأرداف . يومها سرت همسات مسموعة ، لم يتمكن أحد من التحقق من صحتها
وسرعان ما اختفت ، عن وجود شريط فيديو يصور المدير مستلقي على السرير في جناحه
الخاص في فندق إحدى هذه البلدان ، والسيدة المحترمة تجثو أمامه على ركبتيها على
الأرض وهي تنفخ فيه وكرشه يعلو ويخبو ..
وتذكر سفرته مع المدير إلى عنتاب بعد الإعلان عن إلغاء التأشيرات . تضمنت مراسم
الإعلان قيام عدد من مدراء المخازن في المدينتين برفع عامود الحاجز عند نقطة الحدود
في حركة تعبيرية عن إزالة القيود . وقف مروان بجانب المدير ليقوم بذلك عوضاً عنه
بسبب قصر قامته . ولكونه أحمق وأهـوج بطبعه ، اصاب مدير مخزن الاقتصاد في خاصرته .
فالتفت الرجل ليرى من تجرأ عليه ، فرأى شخص لا يعرفه تفوح منه رائحة الطرقات وظنه
من شكله من الحمالين ، فقام بما يلزم تحت سمع وأنظار المدير الذي سرعان ما أدار
وجهه وكأنه لا يعرف مروان .
وتذكر الاحراج الكبير الذي وقع به بعدما أخذ من البعض الملايين لانجاحهم في مسابقة
أجراها المخزن عام 2010 ، وقام المدير لاحقاً بإلغائها بعد ما تبين لدى صدور اسماء
الناجحين أن جميع الأوائل الذين سيتم تعيينهم بحسب تسلسل النجاح ليسوا من بلدياته .
عمد المدير يومها إلى زيادة العدد المطلوب تعينه من 45 إلى60 ، وإلى التلاعب بترتيب
أسماء الناجحين ومع ذلك لم يتغير شيء .
لم يكن أمام المدير من حل سوى إلغاء المسابقة كلها . وكان السبب المعلن هو عدم وجود
ولا متقدم واحد نجح في جميع المواد لأن دكاترة الجامعة اللي حطوا الأسئلة ، كما قال
المدير، ظنوا انو حاطينها لطلابن !! وبذلك لم يتمكن المدير أن يعين من يريد من
بلدياته كما فعل في دفعة المدراء لفروع المخزن الخارجية في العام 2004 . كان وقتها
يترأس مجلس المستشارين في المخزن الذي وضع الأسماء .
وتذكر كيف كان المدير يجمع أغراضه الشخصية من مكتبه استعداداً للرحيل بعد أن انتهى
عمره الوظيفي . ولكن عندما تمكن من مغالطه حساب عمره ، ومن إعادة نتاج نفسه سارع
مروان بشهادة مزورة إلى فرع المخزن في موسكو لشراء شهادة جامعية ، ودعا نفسه للنزول
كضيف في بيت فياض أحد الموظفين في فرع المخزن هناك . وعندما علم صاحب البيت بغرض
الزيارة صار يغني لمروان في كل ليلة تأخرت كتير يا حبيبي . عاد مروان غاضباً من
موسكو وبدأ الحديث عن بخل فياض ونشحه وبيته اللي متل قن الجاج وعن المشروب اللي
بيقتل فيه الليالي الفاسدة .
حملت الريح الباردة كل هـذا إلى فياض . وحدث أن تقابلا خلال إجازة الصيف في فيلا
غير مكتملة في منطقة جبلية شمال المدينة حيث تعمد فياض أن يُكثر من الشراب . وحدث
بينهما عتاب ثم جدال استخدم فيه فياض كعادته مختلف صنوف الشتائم والسباب ، ثم قام
فجأة بصفع مروان وعلى الملأ على وجهه .
وفي اليوم التالي اعتذر فياض عما بدر منه في الليلة الماضية وأخذ يلعن الشراب
وساعته ، وقبل منه مروان ذلك على الفور بابتسامة بلهاء خشية أن تصيبه صفعة تانية .
لم ينسى مروان أبداً صفعته وسط الناس . وقام بردها إلى فياض بعد سنوات حين أعاده
قبل انتهاء فترة خدمته الثانية في موسكو بوقت طويل بحجة قضائه أوقات طويلة من
الدوام الرسمي في حانة قريبة من المخزن . وضعه في قسم الأرشيف وتناساه لحين انتهاء
أجله الوظيفي .
ولعل أكثر ما كان يثير استغراب وغضب مروان في الحقيقة هـو ، كما كان يسأل نفسه
دائماً ، كيف هـو ـــــــ المديرــــــ وصل وأنا ما وصلت ؟ كيف هو أخذ فرصته وأنا
ما أخذت ؟ شغلة بتجنن بتحط العقل بالكف . ولذلك كان مروان يلعن دائماً حظة التعيس
والمدير اللي قنص عمره كله وهو متخبي وراه ، ويتقصد المبالغة وبشكل فاضح في جعل
علاقته مع المدير وأسرته تبدو علاقة خوش بوشية لأبعد الحدود وصلت حد يسكر الهاتف في
وجه زوجة المدير حتى ظن الناس بهم الظنون .
ورث مروان عن أمه ضخامة الجسد ، لكن نفسه الغريرة كانت قاصرة عن مجاراة جسده .
ولذلك ليس من المستغرب أن يكون تفكير مروان بهذه البساطة والسذاجة . ومن يتحدث إليه
يشعر بريبة في عقله خاصة عندما يتحدث كتاجر أخلاق وأمانات بالجملة والمفرق يُلاحق
المفسدين في المخزن والسارقين ويُهددهم ويُنذرهم ، وهـو كبيرهم . أو عندما يتحدث
بثقة العارفين في البرمجيات والشبكات والاستخدامات الخفية للموبايلات أمام اصحاب
الاختصاص في المخزن ، وكيف لما ايجوا لعنده في واشنطن لتركيب الشبكة " صرعتن صرع
" بآرائه ومداخلاته !!
وكان في نفس الوقت أكثر ما يثير غيظ مروان كيف كان المدير يظهر أمام الصحفيين في
الطائرة الخاصة بقميص بدون كرافه يقلد بذلك الرؤساء والمسؤولين الغربيين ، ويحمله
الجاكيت وملابس أخرى على علاقة بلاستيكية يطالعها معه إلى داخل الطائرة . ولولا هذه
العلامة الفارقة في مقدمته ، والتي جعل نفسه بسببها اضحوكة بين الناس أينما ذهب ،
لربما ظنه البعض أنه بالفعل واحد من هؤلاء من أصول عربية .
وقـد يفسر تعامله مع المدير وعائلته بهذه الطريقة هو شعوره بأنه معرض للخطر طيلة
الوقت . صحيح إنه يستفيد من ذلك وبدرجة كبيرة ، ولكن الخطر كان كبيراً أيضاً ليكون
كبش الفداء . أو ربما كان يعتقد إنه موضع استغلال وإن هـو استفاد بدوره من ذلك .
وقد تكون الحقيقة في الأمرين معاً ، الخوف من القادم الذي يأتي وقد لا يأتي ،
والشعور بالاستغلال لدرجة الاستغفال .
وتذكر مروان كيف لازمته والمدير منذ فترة طويلة الأقاويل بسبب طبيعة العلاقة
القائمة بينهما . وكيف احتار الموظفون في فهم حقيقتها مما ترك المجال مفتوحاً أمام
تفسيرات مختلفة بعضها معقول ومنطقي وينسجم مع ظواهر الأمور وهي الفساد في أبشع صوره
كونه طال البشر والحجر ، وبعضها الآخر يبدو غير منطقي لا يقبله العقل ناجم عن تبسيط
ظواهر الأمور يتعلق بأخلاق البشر وسلوكياتها .
والموظفون إنما كانوا يُمعنون ويُصرون على التفسير الثاني ، ويتحدثون فيه سراً
وعلانية بسبب عجزهم عن فهم سر حقيقة هذه العلاقة من جهة ، وهي بالفعل تبقى غير
مفهومة تماماً من جميع جوانبها ، ومن جهة أخرى ، نكاية بالمدير الذي أطلق يد واحد
سطحي غير متعلم مسكون بهاجس الخوف وبكراهية الذات لفشلة في الحياة في جميع النواحي
المهنية والتعليمة والأسرية والاجتماعية ، ليقوم في الفترة الأولى بالتفرغ لكسب
المال الحرام من حيث جاء .
وفي الفترة الأخيرة ، ليقوم إضافة إلى ذلك ، بتسيير أمور المخزن الداخلية من الباب
إلى المحراب بطريقة ثأرية تتسم بالشراهة والبلطجية وهو قابع في بيت الشيطان
كالمخدرين يشاهد الأفلام الإباحية ، ويقوم بتحويل المكالمات الهاتفية للمدير ،
ويلتهم الطعام بنهم على حساب المخزن ، ويشرب كاسات الكمون بالليمون طيلة الوقت .
سقطت على المدينة ثلوج وأمطار كثيرة ، تحولت إلى سيول في بساتين الرازي والمناطق
المجاورة لها جرفت أمامها الكثير من الذكريات .. جراح لا يدري أيها كان أشد إيلاماً
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لحظـة فـارقـة . 3/3
كانت أحلام امرأة عادية من عامة الناس اعتقدت أنها تزوجت من رجل طويل عريض فحل مثل
كل الرجال . لم تكن تحب مروان ، ولكن جسدها كان يريد رجلاً . كانت تهوى الرجال دونه
. تعيش معه وهي تكره كل شيء فيه ، تكره رائحه جسده التي تشبه صنانة الحمير ،
وأنفاسه التي تفوح منها رائحة النجاسة ...
https://www.facebook.com/you.write.syrianews