news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
هل سورية تحتاج لكل أبنائها؟... بقلم: د. عبد الحميد سلوم

من المؤسِف جدا أن يصل الحال بأحدهم من الإعلاميين السوريين للقول أن الوطن لا يحتاج لكل أبنائه (يعني لكل من يختلف معه بالرأي) هكذا بهذه الفجاجة وكأن الوطن مزرعة مملوكة لأبيه وأجداده من الإقطاعيين وهو مَن يقرر لِمن يسمح أن يعيش ويعمل في المزرعة ومَن لا مكان له فيها!. لا غرابة في الأمر فقد تربُّوا ونشئوا على عقلية المزارِع وثقافة المزارع التي دمّرت الدولة والوطن، ومع ذلك لم يتعلّموا شيئا وما زالوا يحدثونك بعقلية المزارع والإقطاع السياسي وكل من لا يقبل أن يمارس دور العَبد فعليه أن يرحل والوطن ليس بحاجة إليه!!. أهل السُلطة كرّسوا شريحة من الأسياد الذين أثْرُوا على حساب الوطن، وما تبقى من أبناء الوطن فعليهم أن يقبلوا بدور العبيد وإلا فلا حاجة لهم بالوطن!.
 


أقول لذاك الإعلامي "الإقطاعي" الذي يعتقد بأنه يمتلك الوطن هو وأمثالهِ ويسمح لنفسهِ بتوزيع الوطنيات، وأنه هو صاحب الحق في تحديد مَن يُقيمُ بهِ ومَن يجب أن يرحل عنهُ، أقول له: إن الوطن بحاجة لكل أبنائه ولكنه ليس بحاجة إلى أهل الفساد والفاسدين ممن جمعوا ثرواتهم من خلال استغلال السلطة والنفوذ وعلى حساب جوع الملايين من أبناء الوطن.. إن الوطن ليس بحاجة لمن يكمُّ الأفواه ويردع حرية التعبير ولا يحاسب الفاسدين الواضحين للعيان من خلال أملاكهم وثرواتهم، ولم يكونوا أكثر من موظفين بهذه الدولة في ميادين مختلفة، ويستحيل لأيٍّ منهم أن يمتلك أكثر من بيت من الإسكان أو من إحدى الجمعيات السكنية لو كان شخصا نظيفا عفيفا مترفعا عن استغلال السلطة واستغلال النفوذ!.

الوطن لا يحتاج إلى كل من يرفض أن يكون في البلد حُكم ديمقراطي تعددي يمتلك فيه الشعب القرار والإرادة ويأتي بِمن يراه شريفا ونزيها وكُفئا عبر صناديق الاقتراع، ويحاسب أكبر مسئول لأدنى الشبهات!.

الوطن لا يحتاج لكل من يعتقد أن الشعب يحب الظلم والقهر والاستعباد ولا يرغب بالحرية والوحدة الوطنية والعدالة وحُكم القانون وتكافؤ الفرص!.

الوطن ليس بحاجة لكل من يحكم سلوكه وعقلهُ المحسوبيات والقرابات والشخصنات ويدعس على المعايير والأسُس والقواعد والكفاءات والمؤهلات والخبرات والعمل المؤسساتي وعلى الأقدمية والتراتبية وتكافؤ الفرص في الدولة، ولا لكل من يمنح سائقه الجاهل صلاحيات عليا.. كَلا الوطن لا يحتاج لكل تلك النوعيات ولا إلى كل من يسكتْ عنها تحت أي عنوان أو مُبرِّر جغرافي أو مذهبي!.

الوطن لا يحتاج لأهل الزعرنات والتجاوزات والخطف والابتزاز والفدية والتعفيش، ولا إلى المدعومين الذين لا يطالهم القانون لأنهم من عظام رقبة هذا المسئول أو ذاك..

الوطن لا يحتاج لكل مسئول لا يفتح أبوابه للناس ويصغي إلى مشاكلها ومظالمها، ويُطنِّش على كل ذلك.. الوطن لا يحتاج للمزايدين الذين يبيعونك أحلى الكلام في الإعلام والتصريحات ولكن يناقضون كل ذلك بالفعل والممارسة ولا يردُّون على شكوى، ويرفعون مناخيرهم على البشر، وهم الأتفه بين الناس!.

*ومن طرفٍ آخرٍ الوطن لا يحتاج لكل ذي قلبٍ أسودٍ يحمل بأعماقه الأحقاد الطائفية والمذهبية، والتعصب والتطرف والإرهاب والتكفير، ولا ينظر لكل أبناء الوطن أنهم متساوون في كافة الحقوق وكافة الواجبات بغض النظر عن أي انتماء ديني وطائفي ومذهبي وعرقي وغير ذلك .. هؤلاء أيضا لا يحتاجهم الوطن!.

*إذا حينما نتحدّث عن مواطنين لا يحتاجهم الوطن فيجب أن نحدد نوعية هؤلاء المواطنين ولا نطلق الكلام على عواهنه!. فربما من يتحدّث عن عدم حاجة الوطن لكل مواطنيه، ربما يكون هو من بين أولئك الذين لا يحتاجهم الوطن، إنْ كان قلمه ولسانه مُسخّرين لخدمة أهل الفساد والاستبداد والشخصنات والمحسوبيات واحتكار المال والسُلطة، ولا يخدم العدالة وتكافؤ الفرص وحقوق الإنسان في العيش الحر والكريم!.

*كفانا في هذه الدولة عقول داعشية، كل من يخالفها الرأي فهو عميل وخائن ويعمل لصالح أجندات خارجية.. سياسة الإلغاء هذه هي ثقافة داعشية بامتياز، فالدواعش والتكفيريون هم من يلغون من الحياة كل من يختلف معهم بالرأي والعقيدة.. أقول هذا الكلام وأنا ابن البعث منذ حوالي نصف قرن، ولكنني أرفض اعتبار كل من يخالفني الرأي والتوجُّه عميلا وخائنا!!. أرفض أن أختزل الوطن والوطنية في شخصيتي وكل من لا يصفق لي ويصطفَّ خلفي أو بجانبي فهو مرتبط بأجندات خارجية!!. ما هذا الكلام السخيف التافه!!.

*على الجميع أن يستحون ويخجلون من أنفسهم لدى الحديث عن التبعية للخارج، فلم يبقى أحدا لا بِنظام الحُكم ولا بالمعارضة إلا ويتبع للخارج.. فلولا الخارج والتبعية للخارج لأخذت الأوضاع في سورية مسارات واتجاهات أخرى تماما..

*لا يوجد خارجٌ وغرباء يعملون لوجه الله ويدعمون هذه الجهة أو تلك كعملٍ خيريٍ لا يبتغون منه جزاء ولا شكورا.. كل الخارج وكل الغرباء يدعمون هذه الجهة أو تلك لأن مصالحهم تقاطعت معها، ولأن هذه الجهة أو تلك الجهة هي من تحقق لهم غاياتهم ومصالحهم وتخدمهم أكثر من غيرها.. هذا هو الأمر.. الجميع مرتبط بالخارج وبالغرباء.. فعلى ماذا المزايدة ؟.. يقول المثَل: من يأكل من خبز السلطان فعليهِ أن يضرب بسيفهِ.. يعني من يحتمي بالسلطان وينشد دعم السلطان فعليه أن يعطي المقابِل.. والكل أعطى المقابل وذلك على حساب سورية!. الاحتماء بالخارج تحت أي عنوان مرفوض من أيٍّ كان.. ولكن من يرى غيره يمدُّ يده للخارج فسوف يفعل هو ذات الشيء.. والكل تورّط في هذا الذنب..

نشكر بوتين وغيره على هدف محاربة الإرهاب، وعلى غيرته على سورية، ولكن لماذا لا يدعم بوتين الحكومة السورية لاستعادة الجولان المحتل بذات الحماس والفِعل الذي أبداه في الحرب على الإرهاب؟!. أليسَ لأنه لا مصلحة لروسيا بذلك؟. إن كان بوتين حليفا فعليا وغيورا وتَهمّه سورية وشعبها فلماذا لا يدعم سورية بكل قوة لاستعادة الجولان؟. ولماذا يلتقي مع الولايات المتحدة في الحرص والتأكيد على أمن إسرائيل؟. ولماذا لم يصدر تصريح واحد من موسكو حول تصريحات نتنياهو بأن الجولان ستبقى جزءا من أرض إسرائيل ولن تعود لسورية؟. ولماذا تمّ السكوت عن تصريح سفير إسرائيل في قلب موسكو من أن الجولان ستبقى جزءا من أرض إسرائيل ولن تعود؟. ألمْ يكن تصريح السفير الإسرائيلي من قلب موسكو مؤخرا هو اختبارٌ لرد الفعل الروسي؟.

إذا لا يوجد أجنبي أو غريب جيد وآخر سيء، كلهم من بعض وكل طرفٍ خارجي يرى أن الجيد في هذه الدولة أو تلك هو من يخدم مصالحه، وداخليا كل طرف يرى الجيد هو من من يقف لجانبه والسيئ هو من يقف بجانب خصمهِ!. ولذا فالمسألة نسبية جدا جدا!. وأكبر خطيئة بحق سورية كانت استدعاء الأجانب والغرباء، وعدم حل المشكلة من الأساس في إطار وطني سوري صرف!. فدخول الأجانب والغرباء على الخط دوّلَ المشكلة السورية وأخرجها من أيدي كل السوريين!. وها هو الروسي والأمريكي يختلفان في كل مكان ويتفقان في سورية، وخاصة في جنوب سورية حيث إسرائيل المحتلّة ومصالحها الأمنية، وحرصهما على ذلك!!. والروسي يؤكد من طرفٍ والأمريكي من طرفٍ آخرٍ أنهما سوف يستمران في التنسيق مع بعض بخصوص سورية رغم كل التطورات السلبية بينهما، لأن هذه رغبة إسرائيلية قبل أن تكون رغبة روسية وأمريكية.. فمصلحة إسرائيل هو في التنسيق الروسي والأمريكي (وليس الروسي الإيراني التركي) وهذا يضمن لها أهدافها ومصالحها..

كفى أيها السوريون سواء في المعارضة أم في الضفة الأخرى، كفى دماء ودمارا، وليضع الجميع أياديهم ببعض لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من براثن الأجانب والغرباء والاتفاق على حلٍّ يقبل به الجميع حتى ولو خسر البعض بعض مصالحهم ومكاسبهم فسورية فوق كل المصالح والمكاسب وسورية أكبر من الجميع!.
 

2017-08-30
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد