news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
إلى مَتَى أناس للقبض على أخمص البندقية ومن صاروا عجائز مستمرون بالقبض باليورو...بقلم: د.عبد الحميد سلوم

لو أن مصائب بلدنا سببها الكوارث الطبيعية، والأعاصير والعواصف والزلازل والفيضانات، لَقُلنا أنّ هذا قدرٌ من الله وليس بمقدورنا أن نفعل إزاءهُ شيئا.. ولكن مصائبنا ليست من السماء وإنما هي من صنعِ أيادينا... إنها من صُنعِ الأنانيات وانعدام الضمير والأخلاق والوجدان وغياب الحس الوطني السليم، والأمراض الاجتماعية وفي مقدمتها العصبيات الطائفية والمذهبية والجغرافية، وعقليات اللؤم والكيد، وثقافة الكذب والتضليل والتدليس والنفاق، والمحاباة والشخصنات، وعدم التفكير بمصلحة الوطن وإنما بالمصالح الخاصة والشخصية على حساب مصلحة الوطن.. وشعارات كما : هبّتْ رياحك فاغتنمها... وانتقِدْ القذى بعيون الآخرين وتجَاهَلْ الخشب بعيونك وعيون أحبتك.. وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلة ولكن عين السخطِ تبدي المساوي.. وهكذا من إزدواجية معايير فاضحة ومُقرِفة.. ولكن إن لم تستحي فافعل ما شئت!..
 


لم أشهد دولة خلال كل تنقلاتي بالعمل الدبلوماسي يسود مؤسساتها الغيرة والكراهية والحسد والنفاق والنميمة والأذى وسعي كل واحد للإضرار بالآخر والتربُّص به وتحطيمه، كما هي دولتنا!. الكل، إلا القلائل، ينطبق عليهم ما وردَ في قصيدة الإمام الشافعي :

لا خير في ودِّ امرئ متلونٍ + حلو اللسان وقلبهُ يتلهبُ ..

يُعطيك من طرفِ اللسان حلاوة + ويروغ عنك كما يروغ الثعلب ..

يلقاك يحلف انهُ بكَ واثقا + وإذا توارى عنكَ فهو العقربُ ..

ننتقد بعض الدول لأنها تتصرّف بإزدواجية معايير، بينما نحن في بلدنا أبْ وأمْ إزدواجية المعايير!..

كم من الشكاوى ذهبتْ بزمانها (على سبيل المثال) عن وزارة الخارجية!. وكيف كان يتجاهل رأس الوزارة كل المعايير والأصول وحتى القانون، لِدرجةِ إسناد صلاحيات لسائقٍ سابقٍ له، لا يمتلك أي مؤهَّل علمي، تُعادل صلاحيات وزير، وساد بالوزارة لثمان سنوات جَهْلا حتى فاض الكيل وجاءت توجيهات عليا بإبعاد ذاك السائق، ولكن لمْ يُساءل الوزير عن شيء!..

بِذات الوقت تمّ الإبقاء على أحدهم بِموجبِ عقدٍ، وكانوا قبلها قد صنعوا له مرسوما خاصا يناسبه حتى بلغ السبعين من العُمر وهو على رأس عمله، وبعد السبعين أُبقيَ عليه بِـ عَقدْ واستمر بكامل صلاحياته وقد بات في الخامسة والسبعين..

ففي سورية هناك أناسٌ أشبهُ بِحوريات الجنّة يبقون في عزِّ الشباب والصِبا مهما تقدّم بهم الزمن.. لا يشيخون أبدا.. إنهم من أسرار الله في خلقهِ، أو من أسرار الفساد والإفساد وغياب دولة المؤسسات والقانون، وسيادة شريعة الغاب، وحارة كل مين إيدو أُلُوْ !..

وسؤالي هنا لِأهل القانون: هل يجوز لِشخصٍ متقاعدٍ ويعمل بِموجب عَقدٍ أن يمارس أية صلاحيات تنفيذية وأن تُسنَد له صلاحيات تنفيذية؟. وهل يجوز له أن يكون عضوا في الوفود الخارجية؟.

في الدورة 72 الحالية للجمعية العامة هناك من كانَ عضوا في الوفد السوري إلى نيويورك وهو في الـ 75 ، وأتحدّى أكبر واحد بالوزارة أن يقنعنا بضرورة وجوده إلا بهدفِ التنفيع وقبض ثلاثة أو أربعة آلاف دولار مُهِمّة، عدا عن التكاليف الأخرى من بطاقة طائرة وحجز بالفندق وغير ذلك!..

أليس ذوي أي شهيد بالوطن أحقّ منه بتلك المبالغ؟. ماذا قدّم للوطن من دماء حتى يستحق كل هذا التكريم ويبقى يمارس كل الصلاحيات ويذهب من مهمة خارجية لأخرى ويقبض بالعملة الصعبة، وهل أيٍّ من أولاده خدم الخدمة الوطنية يوما واحدا؟. هل يحقُّ لهؤلاء أن يتحدثوا بالوطنية وأولادهم لم يخدموا الخدمة الوطنية يوما واحدا، ولا يعرفون سوى العواصم الغربية وعملة اليورو والدولار؟.

من ناضلوا في البعث نصف قرن، وفي عائلاتهم ثلاثة شهداء ضبّاطا، تصرّفوا معهم بمنتهى اللؤم والحقد والكيد، ولم يحترموا لاْ نضالهم ولا دماء ذويهم ولا نزاهتهم ولا نظافة أيديهم ولا خبرتهم ومؤهلاتهم العلمية واللغوية، بينما مَن لم يُقدّم لا هو ولا واحدا من أفراد أسرته نقطة دم لهذا الوطن لا تراهُ إلا من مهمة خارجية لِأخرى لِيقبض باليورو وهو في أواسط السبعين.. فهل هذا وطنٌ للجميع؟. وهل هذه دولة جديرة بالاحترام؟. وهل هكذا مسئولين جديرون بالاحترام؟. وهل من يسكتون عنهم تحت أي عنوان جديرون بالثقة؟. يعني إن كان المسئول من هذه البيئة الجغرافية أم من تلك، فتصبح المؤسسة من مخصصاته وهو حرُّ بالتصرف بها، على أساس أن هذه حصّته حسب المحاصصات الجغرافية والمذهبية وهو حرٌّ بِحصّته؟.

أبناء الناس منذ سبع سنوات وهُم في الخدمة الوطنية، ولم يتسرَّحوا حتى اليوم، وبينهم أبن أخ لي وابن أخت لي (على سبيل المثال فقط) فلماذا لا يتمُّ تسريح أولئك وتخييرهم بعدها في أية وزارة بالدولة يرغبون بالعمل ويتعينون حالا بتلك الوزارة؟. مَن الأحق: هؤلاء أم أولاد الآخرين الذين يقبضون باليورو هم وآبائهم (العجائز)، الذين أعفوا أولادهم من الخدمة الوطنية بِدفعِ البدل مكافئة لهم على خدماتهم في السفارات بأرقى العواصم العالمية؟!. ما ذنبُ أولاد الفقراء إن لم تُتاح لهم فرصة العمل بالسفارات وإمكانية دفع البدل؟. لماذا لا يُلغى نظام دفع البدل عن الجميع، ويُعاد البدل لِأصحابه ويُساقون للخدمة الوطنية؟. بل هل ينطبق أساسا نظام دفع البدَل على الأبناء الذين يرافقون آبائهم حينما يكونون في مهمة رسمية في الخارج؟!.

لقد حوّلوا أبناء الوطن فعليا إلى سَادة ومسودين، إلى أسياد وعبيد.. الأسياد بعيدون هم وأولادهم عن كل أشكال الخطر ويقطفون كل الثمار، والعبيد يقاتلون ويموتون في سبيل استمرار طبقة الأسياد في حياتها المُترفَة هي وأولادها.. وكل ما تحصل عليه عائلاتهم هو إضفاء لقبْ (الشهيد البطل) على فلذات أكبادهم، مع تعويضات لا تتناسب مع نقطة دم واحدة، وليس فقدان روحٍ كاملة!.. ياليتهم يعطون ذويهم مبلغا يعادل مُهِمّة عُضوْ (لا لزوم لهُ إطلاقا ويأخذونه للتنفيع) في وفدٍ إلى جنيف أو نيويورك أو آستانة لمدة أسبوعٍ واحدٍ فقط !..

هذا الظُلم بالدولة، وهذه المفارقات العجيبة يجب وضعِ حدٍّ لها فورا، ومحاسبة كل من مارسَها مهما علا منصبهُ.. لا يُعقل في بلدٍ لا يتعدّى أعلى راتب فيها مائة دولارا أن ترى من يقبضون مُهمات بالشهر بملايين الليرات، ولا حاجة لهم أساسا، إلا إن كان حملُ الحقائب اليدوية يحتاج إلى خبراء!..

وهذا يدفعُ لِطرحِ السؤال التالي:هل من أملٍ في قيام دولة قانون ومؤسسات في سورية في ظل ذات النهج من الحُكم وذات العقليات التي عرفناها ونعرفها وقد تربّتْ على ثقافة المزارِع وفساد الضمير أو فساد اليد؟.

لا يوجد شخصٌ عاقلٌ سوف يجيب بـ نعم على السؤال السابق.. وأعتقد أن 99% سوف يقولون كلا (وأولهم الموالون)!.. يستحيل قيام دولة قانون ومؤسسات ومعايير في سورية في ظل ذات النهج والعقليات!.

هذا النهج الذي يسمح لكل مسئول بالدولة أن يتصرف بالمؤسسة وكأنها مُلكا موروثا له أبا عن جد.. فيصنع الأوامر التي يريد ويلغيها كما يريد، ويضع أذُن الجرّة حيث يشاء، فيقصي من يشاء ويحتفظ بمن يشاء بلا أي معيار وأساس وضمير ووجدان، ويُسنِد المنصب لِمن يشاء، في ظل غياب كامل للمؤسسات المُفترَض أنها تتابع وتراقب وتحاسب!..

إذا عن أي إعادة إعمار نتحدّث؟. إعمار الحجر؟. هذا سهلا، والشركات الأجنبية كثيرة.. ولكن ماذا عن إعمار البشر؟. ماذا عن ثقافة الفساد والإفساد المتأصِّلة بالدولة والمجتمع؟. إن كان شخصٌ من كبار المسئولين الحكوميين يدعسُ بوزنه "الرشيق" على كل مفاهيم العمل المؤسساتي، فهل نتوقع منه ومن أمثالهِ أن يُعمِّر دولة؟. فاقد الشيء لا يعطيه.. ومن لا يعرف معنى العمل المؤسساتي ولا يلتزم بمعيار وقانون فهذا لا يمكن له أن يصنع دولة معايير وقانون ومؤسسات!..

لا يمكن قيام دولة مؤسسات وقانون، لأنه بقيام هكذا دولة لن يتمكن أحدٌ من استغلال السُلطة والمنصب والثراء على حساب عرق جبين ابناء الشعب وثروتهم، ويمارس دور صانع الفخّار، يضع أذُ الجرّة أين يشاء ويسود بالمؤسسة كيفما يشاء.. ولن يتمكن مسئول من استغلال السُلطة كي يُظَبِّط أولاده وأولاد أخوته وأخواتهِ، وأقارب زوجته، وأصحابه وأزلامهِ، وهكذا لا يستفيدُ شيئا وبالتالي ما هي مصلحتهُ لِيتبعَ هذا وذاك ويفدي بالروح والدّم هذا وذاك، ويُدافِع عن سُلطة هذا وذاك.. إنْ لمْ يستفِد من السُلطة ماديا فلا مصلحة له بكل ذلك إن كانت ستنعدم كل الإغراءات.. فهل سيُصفِّق للناس على ألوان عيونها؟. وهنا علينا التفريق بين السُلطة وبين الوطن.. فالسُلطة لا تعني الوطن..

ولذلك فإن بعض التحليلات التي قرأناها سابقا من أنّ الفساد والإفساد في سورية هي استراتيجية لها أهدافها الخاصّة، أوّلا: لِجهة تقاسُم المنافع والمكاسب والامتيازات بِحسبِ المحاصصات، (أو الأمل والإغراء في استلام منصبْ ومن ثمّ قطف الثمار بعد ذلك) وهكذا يجد المستفيدون (والطامحون) أنفسهم مضطرون للدفاع عن السُلطَة كونها تعني مصالحهم ومكاسبهم الخاصّة.. أو ثانيا: لِجهة الابتزاز، حيثُ أنّ كل من جمع أمواله وثروته من خلال استغلال السُلطة والنفوذ يصبح رهينة لدى أصحاب القرار وهؤلاء حينما ينزعجون من أي واحد أو يريدون امتصاص الغضب فإنهم يفتحون ملفِّ أحد أولئك الفاسدون حتى يُقال لقد دقّتْ ساعة الحساب (والشواهد كثيرة).. وليسَ أدلّ على ذلك من فتحِ ملفِ أحد الفاسدين من المسئولين الكبار ونبشِ كل تاريخهِ وتاريخ أولاده وممارساتهم الهدّامة بالدولة وذلك من طرف مجلس الشعب ذاتهِ ، حيث عقد جلسة خاصة لفضح ذاك المسئول، ولكن متى؟. فقطْ حينما أعلن انشقاقه عن النظام من باريس.. ولولا ذلك لما تحدّث أحدٌ عنه بكلمة واحدة، والدليل أنه خرج من سورية بحريته ولم يمنعه أحدأ ويقول لهُ لا يمكنك المغادرة قبل المحاسبة!.. فقد تبيّن أنهم كانوا يعرفون تفاصيل فسادهِ وفساد أولادهِ ولكن لم يقفوا عند ذلك إلا حينما بات مُعارضا!..هذا مُجرّد مثلْ، وقيسوا على ذلك.. فما هي العبرة من ذلك؟. العبرة هي في المعادلة التالية: إجمع المال والثروات بأية طريقة ولكن إياك أن تخرج من تحتِ عبائتي، وإلا فأنت عميل وجاسوس وخائن وفاسد ومرتشٍ وسارق ومهرِّب وعديم شرف وأخلاق وتربية ووو... وأكثر كمان!.

لا يثيرك أكثر من أولئك المسؤولون السابقون وأولادهم المقيمون جميعا في باريس ودمائهم مجبولة بالفساد واستغلال السُلطة والثراء على حساب إفقار أبناء الشعب، ويشرشر الفساد من أجسادهم كما الماء الوسِخ الذي يشرشر من الإسفنجة بعد غمسها بماء السّطل الوسخ!.. بل لا يخجل بعضهم وبعض أولادهم وهُم يحدثونك بالعفّة والشرف، حديث بائعات الهوى عن الشرف وهُنَّ بالشورتات على زوايا الشوارع في باريس!.

ولأنّ الكل كان من الكل، والكل كان يعرف الكل ( وأقصد أهل السُلطة والنفوذ) فلا أحدا من اصحاب القرار كان على استعداد لمسائلة أي مسئول مهما جاءت بحقه شكاوى طالما أنهُ يُسبَّح بِحمدِ من وضعوه في السُلطة.. فكل شيء مغفور إلا أن يتغير الولاء!..

يا حرام على هذه الدولة وهذا الوطن... ومسكين هذا الشعب...

ماذا يضيرنا لو أننا نتعلّم من عدونا الإسرائيلي في كيفية بنائهِ لدولتهِ حتى باتت بزمنٍ قياسي بهذه القوة، ولا أقصدُ القوة العسكرية، وإنما قوة القانون والمُحاسبة والمساءلة.. هذه هي أسباب كل قوة تلك الدولة المُصطنعَة، إنها قوة القانون والمحاسبة لأكبر مسئولين في دولتهم..

حينما نتحدث عن عوامل القوة فعلينا أن نقارن بين كل قِوانا وبين كل قِوى ذاك العدو.. ليس عسكريا فقط ، وإنما أن نقارن بين ممارسات كل وزير عندنا وكل وزير عندهم.. كل مسئول عندنا وكل مسئول عندهم.. بين مكانة القانون عندنا ومكانة القانون عندهم.. بين المُحاسبة عندنا والمُحاسبة عندهم.. بين المعايير في مؤسسات الدولة عندنا وبين المعايير عندهم.. بين الجامعة عندنا والجامعة عندهم.. بين المَدرسة عندنا وبين المَدرسة عندهم.. بين الإعلام عندنا والإعلام عندهم.. بين الديمقراطية وحرية التعبير عندنا والديمقراطية وحرية التعبير عندهم.. بين مستوى معيشة المواطن عندنا وبين مستوى معيشة المواطن عندهم.. بين القضاء عندنا والقضاء عندهم .. بين دور البرلمان عندنا ودور البرلمان عندهم.. وهكذا دواليك ..

لا يمكن لِأحدٍ لديه ضميرْ إلّا وأن يعتبر "إسرائيل" دولة مُغتصِبة مُعتدِية مارقة على القانون الدولي، تحتل أراضي العرب وترتكب الجرائم اليومية بحق الشعب الفلسطيني من مُصادرةِ أراضٍ وسجنٍ وقتلٍ واعتداءات، ولكن حينما نتحدثُ عن (إسرائيل) وعن نظام الحُكم الذي رسّخوهُ في دولتهم، فألا يجدر بنا دراسة هذه التجربة، ولماذا لم يحصل في "إسرائيل" إنقلابا واحدا حتى اليوم، ولماذا لم تقبض أية جهة على السُلطة وتتمسك بها إلى ما لا نهاية، ولماذا لم ينخرْ دولتهم ثقافة الفساد والإفساد!.. ولماذا كلما اختلفوا يحتكمون لصناديق الإقتراع.. لماذا؟. هل من جواب؟.

ولكن رغم كل ذلك لا يسعنا سوى القول : لِتسقط إسرائيل وتعيش فلسطين...

2017-10-06
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد