قصة أخرى ..
رغم كثرة ترددي على النوادي الاجتماعية والمراكز الثقافية ، إلا أني لا تستهويني هذه الأماكن بقدر ما تستهويني الأفكار التي تناقش فيها ..
وكان ذلك محفزاً لي لزيارة المنتدى الاجتماعي في الطلياني ... لم أكن أدري أن الإنسان شكل ، وليس مضمون ، وأنه مظهر وليس جوهر ..
فقد حضرت إحدى الندوات التي تُعنى بالعنف ضد الأطفال ، واصطحبت معي أحد أصدقائي .. كانت الاختصاصية الاجتماعية ماهرة في طرح موضوعها ، وماهرة في طرح تساؤلات عميقة في ظل تقارير وإحصائيات هامة طرحتها الاختصاصية الاجتماعية والتي تبيّن تنامي حجم هذه الظاهرة في مجتمعاتنا وخطورتها ، والتي لم يكن آخرها موت أحد الأطفال جراء ممارسة عنف جسدي شديد عليه وهو لم يتجاوز السنتين ..
استمتاعي بالمحاضرة لم يقل عن استمتاعي بالحوار الذي دار بعدها .. فقد كانت الاختصاصية ، ومديرة الندوة ماهرتين في إدارة حوار شيق دار بين الحضور ، وكان أفضل من تكلم فتاة جامعية تدرس الحقوق وتعنى بهذا الموضوع ومهتمة به ..
أذن العشاء .. نظر لي صديقي متسائلاً ، فهززت برأسي (نصلي في البيت) ... فرفع كتفيه (متل ما بدك) ..
في ختام النقاش أدليت بمداخلة صغيرة أثنيت فيها على جميع الأطراف ، لا سيما من قدّمت المحاضرة والفتاة التي قامت بمداخلة أثرت المحاضرة (الغنية أصلاً ) ..ا
ثم بينت تأييد الشريعة الإسلامية لما جاء في المحاضرة ، ودلّلت على مطالبات الاختصاصية الاجتماعية بأحاديث جعلت لمطالبها مستنداً شرعياً مماثلاً للمستندات القانونية التي طرحتها الطالبة الجامعية ..
و لما انتهيت ، ساد صمت مطبق في المكان ..
(على عكس التصفيق الذي نالته الطالبة ، والذي كنت أحد أطرافه ) لم يفاجئني عدم التصفيق ، ولكن الوجوم على الوجوه كان مريباً .. فسارعت مديرة الندوة فوراً لإنهائها ..
شعرت بالتوتر ..
همس بأذني صديقي :
- ما قلتلك ما بدنا هالمشوار ؟؟
في اللقاءات الجانبية التي تدور عادة بعد الندوات والمحاضرات وقفت مع بعض الشباب أناقش معهم بعض الأفكار أحدهم كان عربي ، وموظف في منظمة دولية ، اهتم بما قلته ، وكان متدين جداً، وأخذ كلامي على محمل الجد ...
المحاضِرة تحاشت أن تلتقي معي .. ولما أن التقيت بها قالتلي فوراً قبل أن أبدأ الكلام :
- انتوا الشيوخة بتحكوا بوجهنا شي ، وعلى المنابر شي تاني ..!!
ولما ان التقيت عند الباب بالفتاة الجامعية نظرت لي نظرة شزر وقرف وقالت :
- انا طول حياتي بكره المتدينين ... العمى شو متعصبين ...
نظرت لي والدتها وابتسمت معتذرة وقالت :
- العفو منك .. بس بنتي هيك طبعها .. يلي بقلبها بتقوله .. مالها متعصبة متل ما لك شايفها ..
فانتبهت إلى الفتاة أنها تلبس تنورة قصيرة ، وكنزة بلا أكمام ..!
................
عند الباب قال لي صديقي :
- يا بتحلق لحيتك .. يا ما بقى أمشي معك ...