news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
التاءات المحرمة... بقلم :أنجاد قصيباتي

بدأت فكرة هذه المقالة من إحدى خواطر أبي.. حيث أنه في إحدى محاضراته العديدة التي يحلو له أن يلقيها علي بين الفينة والأخرى ليشاركني ويناقشني بأفكاره، أشار إلى أن الإنسان يقع عادة في أخطاء فكرية تؤثر في حكمه المنطقي على الأمور وقد تكلفه غالياً في بعض الأحيان ، وسماها التاءات الأربع وهي بحسب رأيه:


التعميم: وهو خطأ فكري شائع يقع فيه الكثير من الناس، وذلك كأن تقول إن أهل المنطقة الفلانية كرماء، في حين أن أهل المنطقة الفلانية بخلاء.. أو أن تقول جميع أفراد المنطقة الفلانية جبناء أو أن جميع الموظفين والمسؤولين في الدائرة الفلانية "حرامية".. في حين أن التعميم لا يجوز بحال من الأحوال لا سلباً ولا إيجاباً.. لذلك في القرآن الكريم حين كان الله يصف فئة من الناس بالنفاق أو الكفر أو الفسوق، كان يستثني بعضهم ويقول (إلا قليلا).. وكما يقول المثل العامي: إذا خليت خربت.

 

التقييم: وذلك كأن تقول: فلان حمار.. فلان غبي.. فلان لا يفهم شيئاً.. فلان سافل.. أو فلان شخص فهيم.. فلان ذكي جداً.. فلان نزيه.. وترمي الكلام هكذا جزافاً، بناءً على رأي شخصي بحت مستند على أهواء ومشاعر وغير مستند إلى حقائق ووقائع.

 

التشكيك: حين تكره شخصاً أو تكن له مشاعر سلبية تبدأ بالتشكيك في جميع أفعاله، وتراهن بينك وبين نفسك وحتى تجاهر برأيك بين الناس بأن هذا الشخص قام بهذا الفعل أو ذاك لأن له أغراضاَ أخرى سيئة ونوايا دفينة غير طيبة، حتى لو كان الفعل طيباً بمضمونه. وللأسف الشديد، نحن وطن مصاب بأزمة ضعف الثقة ومتلازمة الشكمانيا.. وحتى الحمام والعصافير عندنا –على عكس بقية الأوطان- باتت لا تثق بالناس حين يرمون الخبز لها على الأرصفة وفي الساحات.. فتترقب ابتعادهم أو خلو المكان منهم كي تسرق لقمتها على عجل ثم تهرب عند أول محاولة إقتراب منهم.. ومن لم يحاول إطعام الطيور خارج هذي البلاد فربما لن يفهمني..

 

التسليم: وهو عكس التشكيك وذلك حين تحب شخصاً وتكن له مشاعر إيجابية تسلم بجميع أقواله أو أفعاله على أنها صواب ونابعة من نوايا حسنة ولأغراض طيبة.. وإذا أتى بفعل سلبي تبرره له وتحاول إيجاد نوايا حسنة ترجمت خطأّ إلى فعل سلبي. طبعاً التسليم قد يتطور عند البعض ليصل إلى مرحلة التقديس أو إلى مرحلة التأليه، في حين يجب أن يظل في بالنا أن عهد الأنبياء والمرسلين المعصومين قد انتهى منذ زمن بعيد وأن "كل بني آدم خطاء".

 

وأقول لأبي الحبيب.. أنا أوافقك الرأي، ولكن دعني أقترح وأضيف على تاءاتك بعض التاءات الأخرى التي تحز في نفسي والتي أراها للأسف تؤثر سلباً وبشدة على حياتنا الفكرية:

 

التلقين: وهو شيء تعودناه للاسف منذ أن كنا في المدرسة وامتداداً إلى الجامعة ثم إلى بقية نواحي الحياة.. حيث دائماً نفضل أن نكون كالببغاوات يلقنوننا الدرس أو الملخص.. ثم علينا أن نحفظه كما هو ونعيده ونردده ويمتحنونا به.. وطبعاً صاحب الحظ الأوفر هو صاحب الذاكرة الأقوى مع أن كثرة التكرار تعلم حتى الحمار (كما يقول المثل العامي) وهذا نوع من العدل في الطريقة الببغاوية. وأظن أنه من البديهي أن التلقين يضعف ملكة التفكير والتحليل التي منحها الله للبشر ليتعلموا ويرتقوا، وأستطيع القول أني في سنة ماجستير واحدة اضطررت فيها إلى تقديم العديد من أوراق العمل وال (Presentations) التي تحتاج إلى بحث وقراءة وتحليل، تعلمت أكثر مما تعلمته في سنين الجامعة مجتمعة التي كنت أحفظ فيها الكتاب وأذهب إلى الإمتحان الذي يشبه اختباراً للذاكرة يقيس فيها الأستاذ الجامعي إجاباتي بالشبر.  

 

التخوين: يشبه التشكيك ولكن أسوأ بكثير.. وهو الوجه الآخر للتكفير الذي يحلو لبعض المشايخ التألي على الله فيه.. حيث أنك تخرج الطرف الآخر من الملة.. سواءً من ملة الإيمان (عكس الكفر) أو من ملة الإخلاص والوطنية (عكس الخيانة) لأنه يرى الأمور من منظار مختلف أو يريد ما لا تريده أنت، وفي ظل الأحداث الأخيرة التي يشهدها بلدنا الحبيب وجدت العديد من الناس يوجهون أصابع الإتهام إلى بعضهم البعض.. حتى أحياناً ضمن الأسرة الواحدة!!... وفي غابة الأصابع هذه، احذر عزيزي المواطن أن تفقأ عين أخيك.. فيحاول أن يفقأ عينك بدوره.. نحن بعينين بالكاد نرى في غبار هذه المعمعة.. فما بالك إذا تسببنا لبعضنا بالعور؟!

 

التلفيق: في كثير من الأحيان وعلى مائدة الغيبة والنميمة التي يحب بعض الأشخاص الجلوس إليها، تجد بهارات التلفيق حاضرة حيث أن ما يبدأ في المصدر ككلمة.. يصل إلى تلك الطاولة كرواية ملحمية تلصق بظهر المسكين الذي كما يقولون "يا غافل إلك الله".. وتكمل الرواية جريانها بعد أن يرفدها العديد من الروافد من هنا وهناك إلى أن تصبح مسلسلاً مكسيكياً ملتهباً يمتد لبضع مئات من الحلقات. ولكي لا أقع في تاء التعميم، لا أقول جميعنا بل أقول أن الكثير منا يشارك في هذا الأمر سواء بإرادته أو من غير قصد حين ينقل أخباراً أو يروي قصصاً وهو يضفي عليها صفة الحقيقة أو اليقين دون التثبت من صحتها...

 

التشويه والتغيير والتبسيط والتهويل: هواية العديد (مجدداً، لم أقل جميع كي لا أقع بتاء التعميم) من وسائل الإعلام، في مجافاتها للمهنية وأخلاقيات الإعلام النزيه.. حيث لا تنقل الخبر كما هو فإما تبسيط مجحف أو تهويل مفرط أو قلب وتغيير وتشويه مفزع للحقائق.. لذلك لا يصلنا الخبر بعدها إلا مشوهاً.. ولا نستهلكه إلا مشوهاً.. ولا تخرج أفكارنا بعده إلا مشوهة.. لذلك لا يصبح غريباً بعد ذلك أن تبدأ التاءات السابقة عملها..

 

وبالطبع هناك العديد من التاءات الأخرى التي لن أذكرها وأترك لكم تقديرها، وسأقفز عنها لأصل اخيراً إلى أكثر تاء أحسبها محرمة في هذا الزمن الغريب، ألا وهي تاء التفكير.. حيث أثبتت التجارب أن كل من "يفتح" دماغه على مصراعيه، ويحاول أو يفهم، ويحاول أن يفكر.. سيتعب ولن يفهم شيئاً في آخر المطاف بعد كل الجهد المبذول وسيصاب بعسر هضم في الدماغ أو بالتسمم الإكتئابي.. لذلك كما يقول المثل الشعبي: الباب الذي تأتيك منه الريح.. سده واستريح.. وعلى حسب تعبير د.جمال الطحان: اخلع الوعي كي تعيش، أو على حسب نصيحة الأستاذ جمال الشاعر: اعمل عبيط وحاول أن تقنع عقلك ان ينام وإذا لم يستجب فالحل بسيط، قرص "كتا فلام".

 

2011-06-01
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد