news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
القلب المتسامح ... بقلم : د.مصطفى ماهر عطري

تتصف الأخلاق العربية الأصيلة بالسماحة و تتسم بالمحبة و التسامح و لكننا نلاحظ اليوم أن الكثير منا قد أصبح يخلط بين التسامح و التساهل ؟!..


فأدى ذلك إلى التهاون و اختلال الحياة الاجتماعية !.. و ليس من شك في أن الانزلاق من التسامح إلى عتبة التساهل عملية نفسية بسيطة تتم في سهولة و يسر و لكن من الملاحظ عندنا أن التساهل كثيراً ما يقترن بمظاهر اللامبالاة أو عدم الاهتمام . و من هنا فإننا قد نستخف بأمور خطيرة لا يجوز الاستخفاف فيها  كما أننا قد نتسامح دون أن نفطن إلى أننا بذلك نقوض أركان الحياة الأخلاقية و الاجتماعية لمجتمعنا تقويضاً تاماً !..

 

و الحق أن الشدة في تطبيق القوانين و الواجبات هي  مطلب أخلاقي أساسي في كل المجتمعات الإنسانية لأن كل مجتمع يتساهل مع العابثين و المجرمين و اللصوص و الخارجين على العرف و القانون هو مجتمع منحل متفكك يهدم نفسه بنفسه عاجلاً أم آجلاً و أما حين يقف المجتمع بالمرصاد لكل من تحدث نفسه بالخروج على المعايير الأخلاقية أو الاستهتار بقيم الجماعة فهنالك يكون للأخلاق سند اجتماعي قوي يضمن للمجتمع رد المخالفين و قمع الخائنين لأنفسهم و لوطنهم أمام رئيس الدولة الحكيم العادل في الدنيا و أمام رب العالمين في الآخرة .

 

إن المجتمعات العربية أصبحت مع الأسف قاب قوسين أو أدنى من فقدان الوعي الأخلاقي بل على الأقل إن كل ما نعنيه هنا أن هذا الوعي الأخلاقي قد أصبح يخلط التسامح بالتساهل على نحو اعتاد فيه بعضهم الخلط بين الاتكال و التواكل !.. كما أصبحنا نجد دائماً ظروف مخففة للتلاعب على العدالة و القانون لنبرر استعمال الرأفة مع المجرمين و اللصوص و المنحرفين و الغشاشين و فات حماة الوطن و القانون و دعاة الأخلاق أن أي استثناء يتعرض له القانون أو أي شذوذ يخرق القاعدة الأخلاقية قد يكون هو الكفيل وحده بهدم هذا القانون أو تحطيم تلك القاعدة الأخلاقية و لعل هذا هو السر فيما نلاحظه في بعض مجتمعاتنا العربية المعاصرة في أن مبدأ الاستثناء أو الوساطة أو حتى استعمال الرشوة كثيراً ما يصبح هو القاعدة لأن القانون قد استحال بأسره و أصبح أسيراً إلى مجموعة من الحالات التي لا تنطبق عليها القواعد العامة و لا أريد هنا أن نساهم معاً في ضرب الأمثلة التي تشهد على أن التسامح عندنا قد استحال إلى التساهل و إنما حسبنا أن نقول أن التأمل في أجهزتنا الإدارية و في جامعاتنا و مدارسنا و مستشفياتنا و بلدياتنا و حتى في بيوتنا يجد الآلاف من الأمثلة عن هذا التهاون الصارخ في الحقوق و الواجبات و الذي ليس من التسامح في شيء!..

 

و سواء اتجهنا في أبصارنا نحو الموظف أو الطالب أو العامل أو الأستاذ أو حتى الطبيب و الصيدلاني أو نحو أي مثقف كان فإننا نجد صوراً مختلفة لهذا التهاون الاجتماعي المريض و المثقل بحياة الاستخفاف بالمسؤولية و الاحترام أمام القانون و عدم الاكتراث بمصالح الآخرين و خاصة بين الكبير و الصغير أو بين الغني و الفقير أو بين العالم و الجاهل أو حتى بين الأب و الأم و الابن و الابنة في الأسرة الواحدة ؟!..

 

إن الوعي الأخلاقي بين أفراد الشعب العربي أصبح وعياً زئبقياً لا يتسم فيه أي شكل من أشكال الحزم الأخلاقي سواء في الجانب الإنساني أو على الأقل بين الإنسان و أخيه الإنسان !..

 

و مع الأسف فإننا بدأنا نفقد الواجب القانوني في احترام الآداب و العادات و أخلاقيات الرسل و الأنبياء و الأجداد و أولي الأمر و الحكمة عندنا !...

و لاشك فإن التساهل في الانضباط  في الحقوق و الواجبات و الأخلاق في الأعراف و القوانين  هو الدليل الأكبر على أننا لم نعد نعرف كيف نقف بالمرصاد لأهل الفساد الخلقي و الاجتماعي بل أصبحنا نتهاون في أبسط و أخطر واجباتنا الأخلاقية و لن يتحقق لنا مبدأ التكامل الاجتماعي أو نرى مجتمعاً متكامل الأخلاق  إلا إذا استعدنا أولاً و قبل كل شيء روح الأخلاق العظيمة الشفافة و عرفنا جميعاً أن حب الوطن من الإيمان و أن سنة الحياة هي في الأخذ والعطاء  بالحب و كامل الصدق و الإخلاص .

 

و لا يزال مجتمعنا العربي اليوم في حاجة ماسة إلى الأصوات المخلصة الني تدعو اليوم إلى تقديس الواجب الإنساني بوصفه القانون الأخلاقي الأوحد و لن يصبح المجتمع العربي مجتمعاً إنسانياً بحق إلا يوم يدرك الناس أن الواجب و الإخلاص في العلم و العمل هو الذي يميز مملكة الإنسان و مع الأسف فإننا نرى أن معظم مرافق حياتنا الاجتماعية حافلة بشتى أنواع الفوضى و الاختلال و في حياتنا الخاصة قد لا تخلو أيضاً من مثل هذه الفوضى لأن معظمنا قد نشأ على الاستهانة بكل قاعدة و مبدأ و مسؤولية بل و الاستخفاف بكل نظام وواجب ؟!..

 

و الغريب جداً أن أطفالنا قد يجدون متعة في الخروج على القواعد العامة و الأنظمة الموضوعة أساساً لضبط الحياة الاجتماعية !..

و مثل هذه الفوضى إنما هي الدليل القاطع على أنهم قد أشربوا منذ نعومة أظفارهم حب المخالفة و لم يجدوا أحداً يخالفهم أو يرشدهم أو ينصحهم ؟!..

إن الفوضى هي صورة من صور التفكك الأخلاقي و الاجتماعي و الذي يجعل كل فرد منا فرداً منعزلاً يعمل لحسابه الخاص دون أن يعير الآخرين أي محبة أو اهتمام أو أدنى درجات الاحترام ..

 

و ليس من شك أن اختفاء النظام الاجتماعي و الأدبي سواء العائلي أو المدرسي أو الجامعي في الظاهر أو حتى في الباطن قد يخلق مجتمعاً فوضوياً لا أخلاق له و لا مستقبل !..

 

إن الأخلاق و المحبة هما اللبنة الأولى لأسس عماد الوحدة الوطنية و السلام العالمي و التكافل الإنساني  أما اللاأخلاقية و العدوان فهما عماد الانهيار و التفكك و الانحلال الاجتماعي و الإنساني المادي و الروحي .

إن استهتارنا بتطبيق القوانين و الأنظمة المتفق عليها قانوناً و شرعاً و أدباً و عدم الانضباط في الحقوق و الواجبات و الأخلاق الإنسانية ليس إلا صورة من صور الاستباحة و الفوضى في المجتمع ؟!...

 

و أخيراً إن تشخيص الأمراض الاجتماعية بشكل موضوعي دون تلاعب أو مجاملة هو الخطوة الأولى على درب الشفاء فعلى الإنسان الموضوعي أن يبدأ بانتقاد نفسه من القلب و يبدأ من أسرته و محبيه لأن أغلب مظاهر صور الحضارة من الذوق و الرقة و حسن المعاملة و طيبها و رقتها قد أصبحت على وشك الاندثار حتى كلمة (شكراً ) أو (عفواً) أصبحت عملة اجتماعية صعبة التداول إلا من رحم ربي و لذا فإننا بحاجة ماسة اليوم إلى من يعلمنا لغة المحبة و التسامح الحقيقية و المشتقة من حضارتنا العربية الأصيلة, و رسول الإنسانية محمد عليه الصلاة و السلام علمنا إياها حينما قال :( إن الله يحب إذا عمل أحد منكم عملاً أن يتقنه ).

 

و أعتقد أن الإتقان في العمل هنا هو في الأخذ و العطاء و في الحب و الاحترام المتبادل لما فيه الخير للجميع بكل صدق و إخلاص و مودة و رحمة و سلام , فمتى تتسامح القلوب ؟... كل القلوب !...

 

2011-12-09
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد