لا نتفاجئ بأي موقف غير عروبي وغير قومي تتخذه بعض العائلات الخليجية الحاكمة / ضد إرادة شعوبها / فهي كلها صناعة غربية ، بريطانية وأمريكية
وليست سوى دمى أو روبوتات تحركها أمريكا بالريموت كونترول عن بعد ، وقد وُجدت لتلعب هذا الدور وعندما تعجز فلا مبرر لوجودها / وسامحوني فيها قولة الأشقاء اللبنانيين / !!!
لا يفاجئنا إن أقدموا على زيادة تصدير النفط أو الغاز أو التمر ، أو حتى الفحول ، فلديهم فائض من كل ذلك !! ولكن ما فاجئنا أن لديهم فائض ومخزون كبير من الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والحريات العامة ويبحثون عن أسواق لتصدير كل ذلك بالبراميل والأسطوانات والكالونات وبأسعار منافِسة ، ولكن ليس بتسعيرة الأوبك الدولية ، وإنما بتسعيرة الأوابك العربية الخليجية !! فبلغ سعر برميل ديمقراطية ، عشرة جثث مذبوحة حسب / الشريعة الاسلامية / ومقطعة أصولاً بعد نزع الرأس من فوق الرقبة ، والأيدي من عند الزند ، والأرجل من حد الركبة ، ومكتوب عليها ذبح حلال ، جاهزة للتصدير لكل من يرغب من أعضاء هيئة علماء المسلمين من أمريكا وفرنسا مرورا ببريطانيا والمملكة السعودية وحتى قطر ، ولكل محبي / اللحم الآدمي السوري / في العواصم الغربية والخليجية !!!؟؟؟
أما ثمن اسطوانة حريات عامة ، من حجم اسطوانة الغاز المنزلية ، وزن عشرين كيلو ، فهو بضعة ساعات من القذائف والقصف في الليل ، وعدة كمائن للخطف والتفجير خلال النهار !!! وثمن غالون من حقوق الإنسان ، إعدام ما تيسر من الشباب بعد التكبير لله ،، ووسط زغردة النساء ، شرط أن يَكُنّ من المشهود لهن بالحنان والعطف والأمومة ، وإغتصاب ما تيسر من البنات ثم قتلهن لوجه الله كي يرتحن من هموم الحياة ومعاناتها !!! وأما ثمن ليتر ، أو كل كيلو غرام حرية ، فهو قطع طريق أو نسف خط أنابيب نفط أو غاز ، أو ضرب محطة كهرباء ،،، أو ما شابه ذلك !!!! . فمن قال أن أولئك / الأشقاء العرب / لا يريدون مصلحة الشعب السوري ، أو تناسوا الكَرَم العربي ، بعد كل هذه الأسعار المغرية ، والمنافِسة لأسعار أمريكا والناتو في العراق وأفغانستان وليبيا ؟؟!!!
هذه الأسعار توافقت مع الأسواق الأمريكية والغربية ، وصناعاتهم الحربية ، فباركوها لأن عماد حضارتهم قام على هذا النوع من الحريات ، ومن دماء الشعوب على مئات السنين من الاستعمار والقتل والنهب والسرقة لثروات هذه الشعوب ، وبقوا متمسكين بوفائهم لهذه الثقافة / ومحبتهم الخاصة والنوعية / لهذه الشعوب التي طالما طالب قادتُها بعد التحرر والاستقلال ، من الأمم المتحدة بالتعويض من هذه القوى الاستعمارية على ما تسببت به من نهب لثرواتها وقتل لشعوبها ، فكان الرد على مطالب التعويض المزيد من الاحتلال والقتل لهذه الشعوب ، وبالمقابل الإمعان بالحديث عن الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية لتحضير هذه الشعوب ، وبشكل انتقائي عجيب غريب !!!! إنه تماماً حديث الذئب عن حرصه على الغنم !!!!.
في أواسط عشرينيات القرن الماضي ، أي بعد أقل من عقد على ثورة وأكتوبر عام 1917 ،، زار الشاعر / السوفييتي / في حينه فلاديمير مايكوفسكي ، الولايات المتحدة وغرب أوروبا ، فسخر منهم ، ومن جوهر الأخلاق الرأسمالية الإستعمارية التي رأى في لطفها وتهذيبها مجرد غطاء للجريمة ، فقال :
// كل البارونات ----- والكونتات ----- يعيشون في مدن فاخرة مختلفة ----- يسرقون ،،،
ويقولون : / ميرسي مسيو / ويغتصبون ،،، ثم يقولون / باردون مادام ------ // ...
هكذا هي نعومتهم ، إنها نعومة وطراوة جلد الأفاعي الحيّة !!! ولكن كل شيء في نواياهم بات مفهوم تماما ، وغيرتهم الثعلبية الذكية لم تعد ذكية ، وبحسب الفنان الكبير دريد لحام / حافظينها / !!!.
فالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ، وفي مقدمتها حقوق المرأة ، لا تتجزأ ، وهذا في أدبيات وأساسيات الأمم المتحدة ، وكافة صكوك حقوق الإنسان ، ومن يتحدث عن هذه المعاني النبيلة والسامية ويقفز من فوق بلدان مجلس التعاون ، فإن كل مفرداته ومصداقيته تفقد معانيها وزخمها وتسقط غارقة في مياه البحر الأحمر وبحر عُمان وخليج العرب !!!! .
وإذا كان هذا الغرب وسيده الأمريكي صادق فعلياً في طروحاته الديمقراطية ، ولا ينطلق من أجندات وأغراض خاصة ، ومن مبدأ قولُ حق يُراد به باطل ،، فالأَوْلَى بهم أن يُصَدروا بضاعتهم أولاً لأحبتهم وأصدقائهم في بلدان مجلس التعاون ، التي يبيعونها أسلحة وعتاد حربي بعشرات المليارات من الدولارات بين الفينة والأخرى ، فالديمقراطية / ستُعَقلن أولئك / أي ستجعلهم يستخدمون هذه الأسلحة بشكل عاقل بعد العودة للمؤسسات الديمقراطية ، ولا ينفرد في استخدامها ملِك أو أمير أو شيخ لوحده ، فيرمي بها على إسرائيل دفعة واحدة ، في لحظة غضب غير محسوبة ، بسبب استهدافها للأقصى – هذا على سبيل المثال -- !!!! فماذا سيفعل الغرب الأورو – أمريكي حينها ؟؟!! أليست هذه هي ذريعة البعض / من الخليجيين / في تبريرهم لتَمَلك إسرائيل للسلاح النووي ، من أن هناك في إسرائيل مؤسسات ديمقراطية لا تسمح باستخدامه كيفما كان ؟؟!! وفعلا : قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق !!!!!!.
بعد متابعتي لجلستي مجلس الأمن الدولي يومي 31/1 و 4/2/2012 سألتُ أحد الأصحاب عن رأيه بمنظر وزير خارجية قطر ونبيل العربي يجلسان بجانب بعض حول الطاولة ، ويستدعيان التدخل الأجنبي في سورية ؟؟؟ فقال صاحبي : الأصول كان أن يجلس نبيل العربي خلف الوزير القطري كسكرتيرهِ أو مدير أعماله ، أمّا وقد أجلسَه بجانبه فقد انطبق عليهما قول الشاعر :
كِلا الأخوين ظَرّاطٌ ------ ولكن شهاب الدين أظرطُ من أخيه !!!!! ثم أوضحَ أن شهاب الدين هو نبيل العربي !!!! وحينها قفز إلى ذهني حالا قول الإمام الشافعي / ر / قبل ثلاثة عشر قرنا :
قد مات قومٌ وما ماتت مكارمهم -------- وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتُ !!! فرَحِم الله الإمام الشافعي ورضي عنه ، فكأنه كان يرى مشهد بعض العرب اليوم ، في شطره الثاني منذ ذاك الزمن !!!!
فمن يُحرَّم على المرأة لديه قيادة سيارة يعطي الدروس لِمَنْ تقود المرأة لديه الطائرة المدنية ،، ومن حَصَر دور المرأة في البيت وغرفة النوم فقط ،، يطالب بالحرية لدى من تشغل المرأة لديه منصب نائب رئيس الجمهورية !!!. ومن إختزل الشرف والحياء والعفة والشهامة والكبرياء العربي ، الذي تغنينا به عبر الزمن ، بالأعضاء الأنثوية للمرأة / مع عدم المؤاخذة / يتباكى على الكرامة ، ليس في فلسطين والقدس والأقصى ، وإنما لدى من قدّموا آلاف الشهداء في سبيل فلسطين والأقصى !!!
قد تمر الشعوب والأمم بمِحن وكبوات ، وهذا طبيعي ، ففي الحياة كل شيء نسبي ، ولا وجود للمطلق ، فهذا في السماء فقط ، ولكن الأمم الحيّة سرعان ما تنفض الغبار وتنهض كما طائر الفينيق ، وإلا تصبح في حالة الموت السريري ، تابعة وخانعة ، لا دور ولا فاعلية لها تحت الشمس ، وهذا ما تمر به اليوم أمة العرب !!!! وليتنا نتعلم من تجارب الأمم الأخرى ، ومنها الأمة الروسية ، فبعد أن تعثرت وكَبَتْ لأكثر من عقدين من الزمن ، إعتقد خصومها أنها لن تنهض بعدها ، ها هي اليوم تتمثل قول الشاعر مايكوفسكي : // اليوم ينهار الماضي المديد ----- اليوم يعاد النظر من جديد ... في أساس العوالم ----- اليوم نعيد صنع الحياةِ حتى آخرِ زرٍ في ثيابها ---- // ... وأستدير من هنا إلى أبناء شعبي في سورية وخارجها ، لا سيما من يُعاند ويُكابر من معارضة ، والوطن في حالة خلاف ، ولا أحد يريدها عداوة وخِصام ، لأننا بالنتيجة سنبقى أبناء وطن واحد ، لأقول لهم ، وسأستعير من شعر مايكوفسكي أيضا :
// أن نموت في هذه الدنيا ليس صعبا ----- لكن أصعب بكثير أن نصنع الحياة -----// ... فلنرمي السلاح جانبا ، ولا يوجد من هو بلا أخطاء ، فالقتل سهل ولكنه مأساوي وكارثي على الوطن ، وصنع الحياة أصعب بكثير ، ولكنه الأجمل والأمتع للوطن ، فلنصنع الحياة بالجلوس مع بعض والتحاور بكل شيء ، ونؤكد للعالم أننا قادرون على تحويل مرارتنا إلى عسل !!! ولنكفكف دموع الوطن ، فالمسؤولية تاريخية وكبيرة ، وتحتاج إلى رجال كبار على مستوى التاريخ ، فليكن الجميع كبار ،، فليس هناك أخيرا من خاسر أو رابح ،، إنه الوطن ، والوطن وحده إما أن يكون الخاسر أو الرابح !!!!..
إن ما يحصل في سورية اليوم شبيه إلى حد بعيد بما فعلته الولايات المتحدة في نيكاراغوا في ثمانينيات القرن الماضي بدعمها أحد طرفي النزاع عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا ، وسهّلت دخول وخروج المسلحين من جماعة الكونترا عبر حدود جيران نيكاراغوا ،، وكانت شريكا في سفك دم أبناء الوطن الواحد وتحريضهم على بعض ،، بينما قدّمت إحدى البلدان الخليجية الكبيرة دعما ماليا كبيرا لنفس الطرف ، وذلك في وجه حكومة الساندينستا التي لم تخدم مواقفها ونهجها وسياساتها المصالح الأمريكية ، وكانت صديقة لكوبا !!! وبعد أن أودى النزاع بحياة عشرات آلاف المواطنين ، توصل طرفا النزاع إلى تسوية سلمية وانخرطا سوية في العملية السياسية ، وتبادلا ، وما زالا يتبادلان ، السلطة عن طريق صناديق الإقتراع !!! فهل سننتظر إلى أن يبلغ عدد الضحايا عشرات الآلاف حتى نتوصل أخيرا إلى تسوية سلمية ؟؟؟!!!!.