إن هي إلا بصلة . . . على الأنف تكسرها . . . فتحميك من الإغماء وتخفف من تأثيرات روائح الفساد قلت لنفسي وأنا أقوم بزيارتي الثانية التي لم تكن سلسة كالزيارة الأولى ومسئولي لم يكن بتواضع المسؤول الأول الذي على ما يبدو كان هو الحالة الخاصة .
فما إن ابتدرت هذا المسؤول بالسؤال :
لماذا يا صاحب الفخامة يا ذا الجاه والصرامة لماذا أحضرت معك في أول إطلالة لك علّاقة تعلق عليها طقم المسؤولية رغم معرفتك بوجود الشماعة في مكتبك الفخم ؟
حتى رمقني بنظرة استعلاء أقسمت حينها ولن أحنث أبداً بقسمي على أن لا أفهمها نظرة ازدراء ولا نظرة احتقار فلست أنا ممن يمكن أن ينظر لهم الآخرين أي نظرة من هذا القبيل وإن كنت فلست ممن يفهمون هذه النظرات
وقال قذيفته بالفم الملآن :أيها المواطن الذي لن يترقى لمرتبة مسؤول ولست أدري إن كان أصلاً يمكننا القول بأنه بمرتبة الإنسان !
هل لبست يوماً طقم المسؤولية هل تعلم من أين يأتي هذا الطقم وما هي خصوصيته ولماذا يتم اختيار من يرتديه بدقة ؟
فقلت بخنوع الطالب الكسول الذي لم تسعفه دراسته بالإجابة على السؤال فأدرك أن نهايته المعاقبة والحرمان , لا أيها المبجل رغم إتباعي لكل الدورات المؤهلة لارتدائي هذا الطقم لكن أبداً كان هناك سبباً لا أفهمه يحول دون ذلك
فقال بعد أن تحولت نظرته من القسوة إلى الشفقة بقدرة تمثيلية لا يجيدها إلا المتمرسون بفعل التمثيل كما المتمرسين في الإدارة
ظننت ذلك وإلا لما كان قد خطر على بالك أصلاً هذا السؤال !
وقبل أن أحاول أن أبرر بحجتي المكررة التي تقوم على أنني شريف ولا أقبل بتنفيذ أوامر رؤسائي المخالفة للقوانين وأنني كل ما أحاول المحافظة عليه في هذا الزمن الصعب هو نزاهتي التي أعتبرها جزءاً من كرامتي أو هويتي
انشق ثغره عن ابتسامة فيها الكثير من الرثاء مع القليل من الفخر والإباء وقال بصوته الرصين
يا هذا. . . إن طقم المسؤولية ليس كسواه وأنت لا تشتريه من السوق ولا تفصله عند الخياط
فجحظت عيناي عجباً من هول المفاجأة لكنه تابع على ذات الطبقة
عليك أن تفهم أن لكل مسؤولية طقم خاص بها تعطيك إياه إدارتك عن طريق رئيسك المباشر فترتديه وأنت مجبر على ارتدائه في المناسبات التي يطلب فيها منك ذلك
فكادت عيناي أن تخرجا من محجريهما وأنا لا أصدق ما تسمع أذناي لكنه تابع..
وحتى أنه يوجد بذلك الطقم جيوب وأسرار وخفايا لا يسمح لك بالبحث فيها أو الإطلاع عليها بل أكثر من ذلك عليك أن تدرك أن هذا الطقم ليس لك وعليك أن تنفذ كل التعليمات الخاصة به فأنت لا تقوم بغسله وكويه عند أي مصبغة بل هناك مصبغة محددة وقد يطلب منك أن تضع أوراق معينة في أحد جيوبه من غير حتى أن تطلع عليها كما أنّ فيه جيب خاصة بحصة إدارتك من كل المكاسب التي تحصل عليها طالما أنت ترتدي هذا الطقم
ومن هنا عليك أن تفهم أن لكل نوع من هذه الأطقم علّاقة خاصة به كما أنه لا يمكن أن نعلق هذا الطقم بالشمّاعة مباشرة فتظهر خفايا الطقم وقد يتمزق إن لم يعلق بعلّاقته الخاصة وبالطريقة المناسبة له
فخف جحوظ عيناي وانتقلت من حال التصديق إلى حال عدم التصديق أي ما يطلق عليه باللغة العامية "كش التماسيح "ونهضت متمتماً ما هذا الذي تقوله فهذه والله سمعة جديدة ولو كانت حقيقية لما قلتها لي
فصرخ اجلس أيها المتعجل وصحيح كل ما قيل عنك من حدة طبعك فأنا لا أبوح لك سراً لو لم يكن قد طلب مني ذلك فلست ممن يتجرجرون بالكلام ليقولوا ما لا يريدون قوله
ولكن أحد المتذاكين كان قد اقترح على إدارتك أن يتم إلباسك أحد هذه الأطقم اتقاءً لثرثرة لسانك فطُلب مني مناقشتك بالموضوع لمعرفة مدى قبولك وإن كنت على قناعة بأن غبائك سيمنعك بحجة المبادئ والنزاهة عن ارتداء أي طقم من أطقم المسؤولية
فبرزت الجرأة التي كانت أبداً تنقصني لأقول للفاسد أنت فاسد في وجهه وانطلقت من حالة الدفاع إلى الهجوم ومن حالة التوتر إلى حالة الاستهزاء
تقول أن الطقم هذا خاص وله علّاقة خاصة ولا يمكن تعليقه مباشرة على الشمّاعة كي لا تظهر خفاياه أو يتمزق
فقال بلهجة الواثق نعم وإذا وافقت سأطلب الخياط ليقوم بأخذ قياساتك ليقوم بتفصيل طقم لكَ
فقلت مازحاً ما هذه الإدارة الأمنية التي لم نسمع بها إلا في الأفلام الهوليودية التي تتكلم عن المخابرات والاستخبارات
قال بني إن العاقل هو الذي يفهم الفرص على حقيقتها فلا يرفضها بتحجره ولا يضيعها بغبائه واعلم أن أسلوب الاستهزاء الذي يحولك إلى مهرج في أدق لحظات حياتك تعقيداً وأشدها حساسية ما هو إلا انعكاس لسطحية من لا يفهمون الحياة على حقيقتها أما الوطن فلا يبنيه إلا الرجال المخلصون الذين يرتدون ما يطلب منهم ارتدائه
وقبل أن ينطق لساني انطلق خيالي بسرعة لتجسيد موقف الموافقة على ارتداء طقم المسؤولية استجابة لنداء الوطن الذي جاء في معرض حديثه وقام المسؤول بطلب الخياط لآخذ قياساتي وأتى الخياط ليحاول قراءة القياس ولكنه تفاجأ أن حجمي يتقلص حتى شعرت كما شعر بأنني أتلاشى فقال من أعماق ذهني لا يمكن تفصيل طقم مسؤولية على قياسه وهنا عاد خيالي إلى سكونه وعاد حجمي إلى طبيعته وقلت بثقة المؤمن بأن الوطن لا يقوم على وطاويط الليل ولا يبنى الوطن إلا بالعرق والفكر المخلص الصادق بلا أي جيوب مخفية ولا علّاقات وشمّاعات وعلاقات مشبوهة
وهنا فاجأتني ضحكة مجلجلة تخلّلها كلام مبهم فهمت منه بعض الكلمات الاستهزائية مثل ليس من المعقول أن تكون قد صدّقت وكل القصة أنني أردت أن أبني قصة على تهيؤاتك بوجود فرق بين العلّاقة والشمّاعة أم أنك تظن أن هناك من يهتم لثرثرتك أو قد يخاف منها فتقوم أنت باستغلال ذلك وتستلم منصب
وقلت وأنا أخرج من مكتبه الفخم وعلّاقته وشمّاعته الفارغتين ليتني لا أصدق
وقبل أن يسدل النهار. . . استفاقت شهرزاد من غفوتها . . . وراحت تبحث لحكايتها عن نهاية . . . قبل أن يأتي الظلام . . . فيختصر الكلام . . . بين أدرك شهريار الصباح . . . أو أن سيف الجلاد وضع نهايةً . . . لكل الحكايات