news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
من رواد الحركة الشيوعية في سورية ... بقلم : المؤرخ د. عبد الله حنا

لم يكن بالإمكان تغطية جميع الرواد واقتصرنا هنا على من ورد ذكرهم في الأبحاث الواردة أعلاه. أما خالد بكداش فقد ورد ذكره في معظم الأبحاث، وهو أشهر من أن يعرّف. يضاف إلى ذلك أننا لم نحظ، مع الأسف، بمقابلة خالد بكداش، رغم طلبنا أكثر من مرة اللقاء به، حتى ندوّن ما سمعناه ويدل نشاط هذه الكوكبة من الرواد أن قيام الحركة الشيوعية ونهوضها (ولا نتكلم هنا عن فترات الانحسار) لم يكن ثمرة جهد فرد بل هو حصيلة جهود عشرات المندفعين الطامحين في بناء مجتمع حر سعيد، ومنهم هؤلاء الأبطال.


اعتمدنا في الكتابة عن هؤلاء الرواد على ما سمعناه من بعضهم أو قرأناه عنهم، ولزياد الملا فضل كبير على هذا الملف، عندما التقى بعدد من هؤلاء الرواد وسجّل ما سمعه منهم أو عنهم وسطّره في كتابه: (صفحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوري (1924 - 1954)) دار الأهالي دمشق 1994.
***


1- فؤاد الشمالي من قرية سهيلة في كسروان ولد سنة 1894 فقيراً معدماً، وتوفي في سنة 1939 فقيراً معدماً. هاجر إلى مصر ونفي منها عام 1924 بسبب نشاطه الشيوعي. بعد عودته إلى لبنان أسس (النقابة العامة لعمال التبغ) في بكفيا وهو مع يوسف إبراهيم يزبك مؤسسا الحزب الشيوعي اللبناني في الرابع والعشرين من تشرين الأول سنة 1924. ألف عام 1928 كتاب (نقابات العمال في لبنان). نُفيَ بسبب نشاطه إلى قلعة القدموس وجزيرة أرواد. شارك في المؤتمر السادس للأممية الشيوعية عام 1928 مندوباً عن الحزب الشيوعي.

 

 اختير عام 1928 الأمين العام للحزب الشيوعي، وأبدى نشاطاً مذهلاً في عمله واتصف ب (اليسارية العمالية)، وبقي أميناً عاماً للحزب حتى أوائل عام 1933 حين أُزيح من منصبه كأمين عام للحزب، وأُبعد عن الحزب إبعاداً كلياً بتهمة علاقته بالأمن. بعض مجايليه كيوسف خطار الحلو يرون أن تهمة علاقة الشمالي بالأمن باطلة، في حين أن ما كتبه أرتين مادويان يلقي ظلالاً من الشك المقترن باليقين بعلاقة الشمالي بالأمن وإرشاده إلى من كان يعمل معهم والخبر اليقين هو في الوصول إلى أرشيف الأمن، وهذا متعذر علينا، إما بسبب إحراق الفرنسيين الفيشيين في براري بيروت عام 1941 قسماً كبيراً من أرشيفهم، أو بسبب تعذر الوصول لأسباب مالية إلى الأرشيف الموجود في فرنسا.


ونحن نرى أن الشمالي عاش في حياته السياسية المأساة بأجلى معانيها ولد فقيراً ومات فقيراً عام 1939، ولم يكن يملك ناصية اللغة للكتابة ولم تكن له عصبية، ومع ذلك كافح وناضل وكتب وبعد طرده من الحزب أصدر عام 1936 كتابه (الاشتراكية) تضمّن مناقشة صريحة وجريئة حول الاشتراكية في التطبيق، وفيه معلومات عن الاتحاد السوفييتي. (يوسف خطار الحلو... ص 388).
أليست حياة الشمالي، سواء صحت التهمة أم كانت مجرد ظنون، هي المأساة بعينها؟. واستمرت المأساة بعد موته بإلصاق التهمة به، وهو الذي أفنى حياته في الكتابة عن العمال والدفاع عنهم بالوسائل المتاحة له في ذلك الزمن.

 

2 - سليم خياطة طرابلسي (لبناني) المولد، ماركسي الهوى ومن المنادين بالوحدة العربية. عقد لهذا الغرض وبمساعدة الكوادر الشيوعية مؤتمراً للمثقفين العرب في معلقة زحلة عام 1934 لبحث قضية الدعوة إلى الوحدة العربية. أمضى فترة من حياته في دمشق، وأسهم في كتاباته في نشر خط ماركسي في تحليل الأحداث وله دور بارز في شق الطريق للأفكار الماركسية في المشرق العربي. من كتبه: حمّيات في الغرب (1933)، على أبواب الحرب (1934) والحبشة المظلومة
 (1936). اعتقلته سلطات الاستعمار الفرنسية الفيشية عام1940 وبسب التعذيب الشديد وضربه على الرأس ظهرت عنده حالات ضياع وأوجاع في الرأس، اعتزل الحياة العامة، وتوفي سنة1965.
وقد لعب خياطة دوراً أساسياً في تطوير مجلة (الدهور)، التي صدرت في بيروت عام 1930، وكان صاحبها إبراهيم حداد من أنصار (الاشتراكية الديموقراطية) ومع الزمن اتخذت (الدهور) خطاً قريباً من الفكر الماركسي، وكان من كتاب المجلة الماركسي سليم خياطة وميشيل عفلق وفؤاد الشايب وإبراهيم الكيلاني.

 

3 - أرتين مادويان، ولد في أضنة عام 1904 وتفتح وعيه على المآسي والمجازر، التي لحقت بالأرمن بين عامي 1908 و1920. تعلم لفترة في إستنبول وغادرها إلى بيروت ملتحقاً بأقاربه، الذين نزحوا بسبب المجازر، التي حلّت بالأرمن وفي بيروت أسس منظمة سبارتاك اليسارية الأرمنية متأثراً بالحزب الشيوعي الألماني، الذي حمل الاسم نفسه. أسهم في تأسيس الحزب الشيوعي. ونظّم توزيع البيان الصادر باسم الحزب بالفرنسية، الذي يدعو جنود الجيش الفرنسي لتأييد الثورة السورية وتحويل سلاحهم بوجه ضباطهم. (مادويان ص75). أمضى مادويان حقباً من حياته في السجون، واستمر نشيطاً في قيادة الحزب الشيوعي حتى وفاته وله مذكرات منشورة بعنوان: (حياة على المتراس، ذكريات ومشاهدات)، دار الفارابي بيروت 1986.


4 - هيكازون بوياجيان عضو جمعية سبارتاك الأرمنية اليسارية في بيروت، وأحد مؤسسي الحزب الشيوعي، ومن أبرزهم إخلاصاً وتضحية. سكن في زحلة وفي صيف 1928 أوفدته القيادة إلى دمشق للإسهام في تأسيس منظمات للحزب فيها. سكن بوياجيان في حي شعبي، وفتح عيادة طب أسنان، ومارس المهنة دون شهادة وقام بنشاط فائق الوصف عاملاً على نشر الشيوعية وتنظيم معتنقيها كما رأينا. اعتقل أكثر من مرة بسبب نشاطه الشيوعي، كما نُفي إلى الرقة، وفيما بعد إلى جزيرة أرواد.

 

5 - علي خلقي ولد عام 1909 في دوما وبدأ يتعرف على الفكر الماركسي عام 1925 وكانت له إسهامات فكرية في إطار عمله في الحزب الشيوعي أو حوله. كان على صلة بحلقة الأدباء الشباب المتنورين، التي تكونت من كامل عياد وسليم خياطة ونسيب الاختيار وبعض الشباب المتصلين بالثقافة الغربية، أمثال فؤاد الشايب وصلاح الدين المحايري وغيرهم وهذه الحلقة دخلت في سجال فكري مع حلقةٍ محافظةٍ، منها محمد البزم وعلي الطنطاوي. أصدر خلقي كتاب (ربيع وخريف) عام 1931، وضع مقدمته الداعية الماركسي سليم خياطة، الذي أقام فترة من الزمن في دمشق.

 

6 - رشاد عيسى من مواليد دمشق عام 1911. نال شهادة الحقوق عام 1933. انتسب إلى الحزب الشيوعي عن طريق خالد بكداش وكان في أربعينيات القرن العشرين الشخصية الثانية في الحزب بعد خالد بكداش ويذكر مصطفى أمين أنه كان من الشيوعيين المتميزين بثقافته الرفيعة. فُصل من الحزب بسبب موقفه النقدي لسياسة قيادة الحزب الشيوعي، الذي أيد الاتحاد السوفيتي في موقفه من التقسيم.


7 - محمود الأطرش (أبو داود)، ولد في يافا عام 1903من أبوين جزائريين هاجرا هرباً من الاضطهاد الاستعماري. انتسب إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1925, والتحق بالمدرسة الحزبية في موسكو عام 1927. أوفده الكومنترن إلى سورية ولبنان لمساعدة الشيوعيين فيهما. أمضى في سورية ولبنان من عام 1933 إلى ربيع 1936. أسهم أبو داود مع سليم خياطة في تحضير وثائق مؤتمر زحلة سنة 1934. أبعدته سلطات الانتداب الفرنسي إلى فلسطين عام 1936، وسجنته سلطات الانتداب البريطاني ستة أشهر. بعد الحرب العالمية الثانية انضم إلى الحزب الشيوعي الجزائري. كتب مذكراته، التي تلقي أضواء ساطعة على الحركة الشيوعية في سورية وفلسطين إضافة إلى نشاط الكومنترن.


8 - مصطفى العريس من مواليد بيروت ونشطاء الحزب الشيوعي وأحد قادة الحركة النقابية اللبنانية، دخل السجون أكثر من مرة وحلّ في سجون دمشق وحلب مع رفيقه فؤاد قازان بسبب اشتراكهما في إحياء ذكرى موقعة ميسلون. صدر له كتاب (مصطفى العريس يتذكر).


9 - كامل عياد التجأ مع والده إلى سورية عام 1911 هرباً من الاحتلال الإيطالي. درس في برلين (1922 - 1930). وكانت أطروحة الدكتوراه عن ابن خلدون، وحاز على أساسها دكتوراه في الفلسفة. تأثر في برلين بنشاط الحزب الشيوعي الألماني وكتب في صحفه مقالات عنيفة ضد الاستعمار. أسهم في صدور مجلة (الطليعة) الدمشقية بين عامي 1935 و 1939، وعُرف بأحاديثه وشروحه المبسطة للمبادئ الماركسية وتوصيلها إلى أذهان الشباب المثقف التقدمي في ثلاثينيات القرن العشرين. لم ينتظم في الحزب الشيوعي، ولكنه كان على صلة وثيقة به وهو عملياً الأب الروحي للماركسيين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. كان أستاذاً مرموقاً في كلية الآداب في الجامعة السورية ومن كتبه: لينين والفلسفة.

والطريف في الأمر ما نقله زياد الملا عن كامل عياد قوله: رجاني ميشيل عفلق، في عام 1934، أن أزكيه للانتساب إلى الحزب الشيوعي, فرفضت، وكنت على حق، إذ شعرت وقتذاك، أن يساريته لم تكن كما يجب.

 

10 - منير سليمان من مواليد عام 1913 في سوق ساروجة بدمشق. جده سليمان باشا الكرجي والي صيدا. نزح والده إلى دمشق واستقر فيها، وكان يملك عدداً من البيوت والحقول. درس في اللاييك ونال البكالوريا عام 1928. سافر عام 1930 إلى فرنسا ودرس في السوربون علم الاقتصاد الاجتماعي ورجع سنة 1934. قبل ذهابه لفت انتباهه نشاط خالد بكداش، مما كوّن لديه، كما رأينا، أرضية للانضمام إلى الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1931. بعد عودته إلى الوطن اجتمع بناصر حدة وفوزي الزعيم وانضمّ إلى الحزب الشيوعي السوري، وأصبح الصلة بين الحزب والمثقفين وهو من الذين أسهموا في تأسيس مجلة (الطليعة) التقدمية في آب 1935 وذكر أن قادة الحزب عندما عاد من باريز عام 1934 هم: ناصر حدِّة، فوزي الزعيم,نقولا شاوي، فرج الله الحلو، يوسف خطار الحلو. قام منير سليمان بتنظيم دورات تعليمية اقتصادية بعد 1940، وترجم سنة 1942 (الاقتصاد المنهاجي في الاتحاد السوفيتي) وله عدة دراسات عن الاقتصاد السوري وقد قمنا بنقل رأي منير سليمان في كل من حدِّة والزعيم في ملف سابق. (جرى اللقاء به بدمشق بتاريخ 11 / 8 / 1974).

 

11 - فوزي الشلق والده حمزة الشلق رئيس محكمة الاستئناف بدمشق. وكان رجلاً يحب عمل الخير، وهو مؤسس جمعية الإسعاف الخيري ولد فوزي عام 1912 بدمشق ودرس في اللاييك وحاز البكالوريا عام 1930. توجه في العام نفسه إلى جامعة كان في النورماندي لدراسة الميكانيك والكهرباء وهناك بدأ يتفتح وعيه الاشتراكي، وشدته مقالات جريدة الحزب الشيوعي الفرنسي (الأومانيته) وكفاح الطبقة العاملة. كما تابع باهتمام محاكمات جورج ديمتروف. عاد إلى دمشق عام 1936 وقام بأعمال حرة مثل تركيب الراديوات، وأسس مع مهندس الكهرباء رشيد جلال معملاً يستورد قطع أجهزة الراديو لتطبيقها، مطلقين على هذا الراديو اسم كروان راديو). وذكر فوزي أن فريد جلال هو أول من أنتج فلماً صامتاً اسماه (تحت سماء دمشق)، كان من ممثليه فريد جلال وتوفيق الحبدباني ولكن الفيلم لم يلق النجاح بسبب ظهور الفيلم الناطق. عام 1937 توظف فوزي الشلق في البلدية رئيس ورشة تصليح السيارات، وفي الوقت نفسه استمر حتى 1939 يعمل في معمل الراديوات.

 


انتسب فوزي الشلق إلى الحزب الشيوعي السوري على يد فوزي الزعيم، ونتيجة لذلك برزت أخته مقبولة الشلق كمناضلة شيوعية، وشاركت ممثلةً طلبة دمشق في المؤتمر الأول لمكافحة الفاشستية المنعقد في بيروت في 6 و7 أيار 1939، كما سنرى. بسبب الوضع الميسور لفوزي لم َتحُمْ حوله أية شبهة، ولذا اتخذت قيادة الحزب من أحد بيتيه مسكناً للكادر السري وجرى الأمر نفسه بالنسبة لرشيد جلال، إذ اختبأ عنده خالد بكداش في أيام ملاحقة الحزب الشيوعي في عهد حكومة فيشي سنة 1941 وبعد أن عاد الحزب إلى العلنية عام 1942 أخذ اسم فوزي الشلق يظهر إلى العلن، وفي عام 1943 تفرّغ للعمل الحزبي.


ولنقرأ ما كتبه عنه يوسف خطار الحلو: (كان فوزي محتشماً أنيقاً, ملؤه التهذيب مما حببه إلى الكثيرين في لبنان، الذين أصبحوا يستمتعون بمجالسته، وبخاصة في أثناء رحلات يوم الأحد. لقد كان فوزي، بالنسبة إلينا - والكلام ليوسف خطار - نحن (صعاليك) ذاك الحين، وبحكم وظيفته، قادراً على شراء ما يريد، وعلى الجلوس في المطاعم، والقيام بواجب ما يتطلبه الحصول على (المدقة) مع (مازاواتها) (ص 200).
عام 1943 اختير فوزي الشلق أمين سر (جمعية أصدقاء الاتحاد السوفيتي في سورية ولبنان). وأثناء الهجوم على مكتب الحزب الشيوعي بدمشق كان فوزي في عداد المدافعين عن المكتب، الذين وضعوا دمهم على أكفهم وبعد أن لوحق وسجن لفترة قصيرة انتقل إلى بيروت بناء على رغبة الحزب، وعمل في جهازه السري بين عامي 1948 و1951 تاركاً حياة النعيم والرفاه وراءه مضحياً في سبيل تحقيق الأفكار التي اعتنقها وبسبب مرضه (ترك الحزب في أواخر 1951) حسبما أفاد لي أثناء اللقاء به وأضاف فوزي الشلق: (للتاريخ أقول إن الفضل الكبير في تأسيس الحزب الشيوعي يعود إلى خالد بكداش). (جرى اللقاء مع فوزي الشلق في بيته بدمشق بتاريخ 15 / 12 / 1974).

 

12 - فلك طرزي ومقبولة الشلق: ذكر ناصر حدِّة لإسكندر نعمة اسم الفتاة الدمشقية فلك طرزي، التي شاركت في نشاطات الحزب الشيوعي. وكانت المرأة الوحيدة في الحزب أيام ناصر حدِّة قبل 1937. وقد ورد اسم فلك طرزي فيما روته مقبولة الشلق أثناء مقابلتها لزياد الملا بتاريخ26 شباط 1984. ونشر ما أفادت به مقبولة في كتابه المنوه عنه ص 131. كتب الملا:
(مقبولة الشلق من مواليد عام 1921 في دمشق. بدايات التأثر بالفكر الماركسي عن طريق أخيها فوزي الشلق العائد من فرنسا عام 1936 متشبعاً بهذا الفكر. تقول مقبولة كنت الوحيدة في البداية أحمل هذا الفكر في المدرسة. شاركت في كل النشاطات السياسية في دمشق، وأذكر أني ألقيت كلمة حماسية ضد الاستعمار نُشرت في جريدة (فتى العرب). شاركت في مؤتمر عصبة مكافحة الفاشية باسم طالبات تجهيز دمشق. بدأت أولى اجتماعاتنا الشيوعية في نهاية عام 1937 التي كان يحضرها نحو عشر فتيات دمشقيات تأثرن بالفكر الماركسي وقتذاك، وأذكر منهنّ. بدوية شمس الدين أخت رشاد عيسى، وأم سليمان فضة حلال، وفلك الطرزي، وأختي فتحية. كنّا ننشط في جو اجتماعي صعب للغاية، ولكن الحس الوطني أقوى من التقاليد. عملنا في البداية من خلال جمعية اليقظة الشامية ثم اتسع نشاطنا وازدادت العلاقات والصداقة، وتعرفت على أمينة عارف زوجة نجاة قصاب حسن التي اندمجت في النشاط الحزبي بسرعة وبقوة).
لقد التقى كاتب هذه الأحرف بمقبولة الشلق عندما كانت موظفة في مكتبة وزارة التربية، ولا أعلم لماذا كانت متكتمة أثناء الحديث معي ومع ذلك وصلت عن طريقها إلى أخيها فوزي، الذي كان أثناء اللقاء به لا يجيب على الأسئلة الحساسة.


13 - وصفي البني من مواليد 1912 في حمص والده تاجر مال فاتورة جملة ومفرق ويصف وصفي والده بأنه برجوازية، صغيرة يذهب إلى بيروت يشتري منها بضاعة ويبيعها إلى البدو بالسعر الذي يريده، والبدوي لا يفاصل في السعر وفي الموسم يشتري التاجر من البدوي السمن والصوف بالسعر الذي يحدده التاجر ,أي سعر السوق ويقول وصفي بالحرف: (نخزن الصوف والسمن حتى يرتفع ثمنهما فنربح بيعاً وشراء. المسكين البدوي كان مستثمَراً). هذا الشعور الطبقي العارم لازم وصفي البني طوال حياته. كما أن الحقد ضد البكوات بدأ ينمو عنده عندما كان يأتي هؤلاء للشراء في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات، ويحترمهم أهلي بشكل لافت للنظر.


انتسب وصفي البني إلى عصبة العمل القومي سنة1935، وكان عام 1936 موجه الحركة في معهد الحقوق. وبسبب مشاركته في الاضرابات الوطنية اعتُقِل في سجن القلعة، وهناك تعرّف على فوزي الزعيم، كما رأينا، وأخذ يتجه بأبصاره نحو الحزب الشيوعي. بعد أن أتمّ دراسة الحقوق عام 1938 ذهب إلى العراق للتدريس، وقام هناك بنشاط فكري واتصال بقوى تنويرية عراقية فاتّهم بالشيوعية. بعد عودته إلى سورية توظف في مجلس الشورى، وفي تلك الأثناء دخل الحزب الشيوعي عام 1942 وعندما عادت (صوت الشعب) للصدور أصبح مراسلا لها وبالاتفاق من خالد بكداش ترك الوظيفة والتحق محرراً في جريدة (صوت الشعب) في بيروت سنة 1944 ولوصفي البني دور بارز في الحزب الشيوعي، الذي بقي عضواً فيه حتى وافته المنية (جرت المقابلة مع وصفي البني بدمشق بتاريخ 27 / 8 / 1974)


13 - جورج عويشق من مواليد دمشق عام 1922. كان والده تاجر مال القبّان، وتوفي عام 1923 وعاشت الأسرة من ريع العقارات التي خلّفها والد جورج. تعلم جورج في المدرسة الأرثوذكسية المعروفة بالآسية وكانت الآسية حسب تعبيره (منارة للحركة الوطنية). فقد تخرج منها عدد من القادة السياسيين والفكريين وكانت نسبة أبناء البورجوازية المسلمة، حسب تعبيره، من عدد الطلاب تقارب ثلاثين بالمئة في ثلاثينيات القرن العشرين واحتضنت الآسية مختلف تيارات الفكر السياسي وفيها لجان لقيادة المظاهرات الوطنية المناهضة للانتداب ومقابل الآسية الأرثوذكسية وجدت المدرسة العازرية الكاثوليكية وقبل منتصف ثلاثينيات القرن العشرين كان (الشعور الأرثوذكسي) معادياً للشيوعية، التي قضت على القيصرية في روسيا، ثم تراجعت مع الزمن هذه المشاعر المعادية للشيوعية.


اشترك طالب الآسية جورج عويشق في مظاهرات 1936 في شهري كانون الثاني وشباط وأثناء تفريق الشرطة لإحدى المظاهرات ومطاردة المشاركين فيها هرب جورج عويشق، ومصادفة وجد في إحدى أزقة البحصة باباً مفتوحاً فولجه لينقذ نفسه من الاعتقال، فوجد في بهو الدار عدداً من أبناء حي القصاع وهم إيليا مباردي وحكمت ربوع وسيمون شمشيخ، وعرف منهم أن هذه الدار هي مكتب للحزب الشيوعي ومن هنا بدأت صلته بالحزب الشيوعي، وأخذ يتردد على المكتب وعمره لم يتجاوز الرابعة عشرة. وبسبب صغر سنه وهو لا يلفت الأنظار كلّفه رشاد عيسى أحد أعضاء القيادة بنقل المناشير المخبأة بين الطعام إلى فوزي الزعيم في سجن القلعة كما رأينا. و(دخل) جورج عويشق الحزب الشيوعي عام 1939 وهو طالب بكالوريا. ثمّ انتسب إلى دار المعلمين وتعرّف على الطالب الشيوعي النشيط نجاة قصاب حسن، وتأثر بأساتذته التقدميين فاخر العاقل وجميل صليبا وكامل عياد. بعد تخرجه من دار المعلمين عُيّن معلماً في درعا في أيلول سنة 1943، وبسبب نشاطه الشيوعي الكثيف مُنع قضائياً من التدريس.


14 - مذكرات نجاتي صدقي تلقي الضوء على جوانب من نشاط الحزب الشيوعي في دمشق عام 1937.


ولد نجاتي صدقي في القدس عام 1905 وتعرّف على الحركة الشيوعية في فلسطين، وانتسب إليها عام 1924 وسرعان ما أوفد إلى موسكو للدراسة، وعاد إلى فلسطين عام 1929 وشارك بنشاط في الحزب الشيوعي الفلسطيني. سُجن عام 1931 مع محمود الأطرش، وبقيا في سجن قلعة عكا حتى نهاية 1932. عام 1933 أسهم في صدور صحيفة (الشرق العربي) التابعة للكومنترن في باريز، التي كانت توزع سراً في البلاد العربية. بعد تعطيل الصحيفة عام 1936 استدعي نجاتي صدقي إلى موسكو في صيف 1936، وهناك قابل خالد بكداش في مقر الكومنترن وبعدها أوفده الكومنترن إلى دمشق لمساعدة الحزب الشيوعي فيها وتنقل المذكرات صوراً من وضع الشيوعيين عام 1937 نقتطف منها تلخيصاً أو نقلاً حرفياً موضوعاً ضمن قوسين الفقرات التالية:


أبحر نجاتي صدقي من مرسيليا إلى إستنبول، ومنها استقل القطار إلى حلب. كتب نجاتي: (أقمت في حلب ليلة واحدة، وفي صباح اليوم التالي توجهت إلى دمشق وحللت في بيت خالد بكداش في حي الأكراد مؤقتاً، ثمّ استأجرت غرفة مؤثثة في شارع الحلبوني... أما مكتب الحزب فكان في بيت قديم) في البحصة. (وكان في الواقع شبه ناد يتردد إليه الرفاق، بعد انصرافهم من أعمالهم أو من مدارسهم)... (أول ما فعله خالد أن توجه بي إلى السراي لمقابلة شكري القوتلي.. وفايز الخوري.. ولطفي الحفار... ثمّ معظم العاملين في الحقول السياسية والأدبية والصحافية بدمشق...) وهذا دليل على مكانة خالد بكداش وعمق صلاته بالأوساط السياسية والفكرية.


(وبعد انقضاء أسبوع على إقامتي في دمشق أفادني خالد بكداش أن اللجنة المركزية للحزب قررت إسناد منظمة دمشق الحزبية إليّ، وبإشراف خالد بالذات، باعتبار دمشق قاعدته الأساسية، فهي مسقط رأسه، وفيها ترعرع وانحصرت أعمالي الحزبية في الناحيتين التثقيفية والأدبية.
أما الرفاق الذين تعاونت معهم - والكلام لا يزال لنجاتي - في دمشق فهم:
نجاة قصاب حسن.. كان في تلك الأيام تلميذاً نجيباً، شديد النباهة، وقد أصبح فيما بعد محامياً.
نشأت المرتيني.. أصله من بلدة الباب بالقرب من حلب، جاء إلى دمشق بقصد طلب العلم، وكان محباً للأدب، وله خواطر أدبية نُشرت في مجلة (الطليعة)، كما كان يتسم بقوة الملاحظة والجرأة، بل المغامرة...
أحمد الشهابي.. شاب أُعجب بالحركة الشيوعية بدوافع وطنية.
أحمد العشى.. ابن صاحب مقهى في ساحة المرجة، طالب علم.
فوزي الزعيم.. عامل شعبي، من قبضايات الأحياء، وكان شديد التحمس للحركة ويُعتمد عليه.
الدكتور نسيب الجندي.. طبيب أسنان في حي الصالحية، رجل دمث الأخلاق، طيّب المعشر، رومانطيقي الاتجاه.
وهناك عدد آخر من الأعضاء المسؤولين، منهم أدباء وطلاب وأساتذة وعمال يؤلفون اللجان المحلية لمنظمة دمشق الحزبية في ساحة الشهداء والسنجقدار والصالحية والحلبوني وباب توما وسوق الحميدية وحي الأكراد).


ويقول نجاتي: (.. وقد أدخل خالد بكداش (تعديلات شرقية) في بعض المفاهيم الحزبية منها:
أولاً استبدال عبارة (أمين عام الحزب) ب (رئيس الحزب)، لأن هذه التسمية مفهومة أكثر في الأوساط الشعبية، ولها أثر أعمق في النفوس.
ثانياً طلب من الأعضاء حين دخوله إلى المكتب أن ينتصبوا واقفين باحترام وإجلال، باعتبار أن العربي لا يزال يخضع لعادات (بطريارخيالية)، أي الخنوع للآباء والشيوخ).
 (انظر: مذكرات نجاتي صدقي (تقديم وإعداد حنّا أبو حنا، إصدار مؤسسة الدراسات الفلسطينية بيروت 2001، ص 163 - 167).

 

لا بدّ من الإشارة هنا إلى أن مذكرات نجاتي صدقي المكتوبة في بيروت عام 1976 عن عمله في الحزب الشيوعي السوري في عامي 1937و 1938 تتضمن الحقائق الممزوجة بالنقد المختلط بالدس وبالوخزات اللاذعة، خصوصاًعند الإشارة إلى علاقة نجاتي بخالد بكداش، الذي كان يحترم نجاتي ويغار منه، كما ذكر نجاتي. الحزب الشيوعي الفرنسي لم يكن مطمئناً إلى وضع نجاتي صدقي ومرتاباً منه، ولهذا سطّر رسالة إلى الحزب الشيوعي السوري تطلب (تجميد) نجاتي صدقي، أي لا طرد ولا تعاون. (والذي حدث)، كما جاء في مذكرات نجاتي، (انصاع بكداش وزملاؤه لهذه الوصاية الشيوعية الفرنسية). وبعد أن توقف نجاتي صدقي عن الكتابة في (صوت الشعب) انتقل إلى الكتابة في جريدة (النهار). ومع أن نجاتي صدقي باع، مع الزمن، قلمه السيّال وذهنه المتوقد إلى شيطان المال للحصول على لقمة العيش المريح، إلا أن من يقرأ المذكرات يأسف لخسارة الحركة الشيوعية العربية لهذا الأديب والمفكر الفذ. ومع ذلك فإن ارتياب الحزب الشيوعي الفرنسي وما ملكه من معلومات سلبية عن نجاتي لم تكن على ما يبدو محض خيال. فقد أصدر نجاتي صدقي في أوائل ستينيات القرن العشرين كتاباً بعنوان (الشيوعي المليونير) يكيل فيه التهم الرخيصة للشيوعية، وهذا دليل على المعدن (الملوث)، أو بالأصح المعدن الصافي، الذي لطّخته الأيام العجاف عندما قرر نجاتي صدقي أن يستمتع بالحياة بأية وسيلة كانت...


تُرى هل كان أرتين مادويان على حق عندما كتب: (في بداية الحرب سقط القناع عن نجاتي صدقي وتبيّن أنه يعمل مع المخابرات البريطانية). (ص 108) والله أعلم.

المؤرخ د. عبد الله حنا

جريدة النور السورية

 

 


 
2012-05-23
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد