news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
هل يموت أبي .. مرتين ..؟! ...بقلم : غزوان رمضان

رحل أبي مبكراً ، كنتُ في الحادية عشرة من عمري .. فلم أنتحب و لم أبكي ،
تجمدت الدموع في عيني فلم تعرف طريقها على وجنتي جمدتها شطآن من صمود و كبرياء ..
ودعتُ أبي و طفولتي بصرخات مكبوتة و تمتمات ترفض أن أبوح بها ..
قضيتُ عمري دون أب ، و كوني الأكبر سناً بين أخوتي كنتُ أباً لهم جميعاً ،


مارستُ طقوس الأبوة بكل تفاصيلها و كنتُ سعيداُ غير نادم على ذلك ..
لا أذكر في طفولتي المبكرة متى قلتُ فيها كلمة بابا ، فلقد مضى على رحيل أبي ما يناهز الثلاثون عاماً ..
كل هذا الوقت مارستُ دور الأب لدرجة أعتقدتُ معها أحياناً أنني لستُ بحاجة إليه مع تذكري الدائم له ..
في حياتي بعضاً من نجاحات و كثيراً من أخطاء لكني لم أشعر معها أنني كنتُ بحاجة لأب يقف الى جانبي ،

مع يقيني أنه يراقبني من بعيد و فخوراً بي و ليس غاضباً مني لأنني لستُ بحاجته ..
أختفت فجأة صورة الأب في مخيلتي لأعتقادي ربما أن هذا هو قدري و يجب أن أعيشه برجولة

و أن أي ألتفاتة مني الى الوراء لن تغير من القضاء شيئاً و ستكون نقطة ضعف تعيق التقدم في الحياة

و كم كنتٌ مخطئاً في أعتقادي هذا ..
حتى جاءت أحداث الوطن و بدأ الوطن ينزف ، يتمزق ، يبكي ، يئن و يصرخ ،

و فجأة و بدون مقدمات أحسستُ أنني بحاجة الى أبي ، أحسستُ أنني أريده بجانبي
لا لشيء فقط لأبكي بين ذراعيه و في أحضانه كطفل صغير ، لأعانقه عناقاً طويلاً لا يدعني فيها

دون أن يصطحبني معه فلم أعد أطيق كل هذا الوجع أكثر ..
آه يا أبي لو تعرف ماذا فعلوا بوطني و وطنك .. فحال الوطن يا أبتي لا يسر و لا يسعد ..

باتت فيه كل أيامنا حزينة ، ماتت أحلامنا ، و أصبح كل شيء ينبض بالوجع ..
أقلامنا لا تزف إلا أوجاعاً ، أسطرنا كحبال مشنقة تقتل الحروف إعداماً .. حتى ترانيمنا باتت في سراب ..
و يا أبـتـي رحلت عني مرة فيما مضى ، فلا ترحل عني اليوم بشكل وطن ، فأنا لا أقوى على رحيلكما معاً ..
كم أفتقدك هذه الأيام يا أبي .. فبعد كل هذه السنين عرفتُ بأنني أستعضتُ عنك بالوطن ..

و أنا ببساطة لن أطيق أن أراك .. تموت مرتين ..!
 

2013-02-15
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد