مضى صانع الطيبة بعد أن كتب اسمه وانجازاته بخط عريض ليس في سجل المجد ولا على صفحة الأمل بل على سطح الماء أو على رمل الصحراء و لعلّه من حسن حظنا أن الماء لا يحتفظ بتلك الإنجازات ولا بهذا النوع من الأسماء وأنّ الريح لا تترك على الرمل من أثر
مضى وكأنه لم يأتِ . . .
وجاءنا صانع آخر بحكمة وحيدة وشعارات كثيرة
و حكمته تقول :
أن لا عمل للحكمة بعد اليوم . . . فالنجاح والمجد لا تصنعه الحكمة بل الإعلام من الأمام والادعاء من الوراء
وأمّا شعاراته فمنها ما هو سريّ ومنها ما هو علني
والعلنية تقول :
· سنفرم الطفيليين ونقطّع المرتشين ونسجن السارقين ونعدم المسلحين أمّا الويل كل الويل فلشاربي المتة هم وحدهم هادمي الوطن فسنجمعهم كلّهم في حاوية النفايات ونحرقهم حتى نخلّص البلد من شرهم
· المسلحون طيبون وقد غرر بهم المقتولون فأجبروهم على قتلهم ولا بد من المصالحة بين القاتل والمقتول وذنب القاتل مغفور أما ذنب المقتول فليس مغفوراً قبل أن يقوم بطلب السماح من القاتل
والسرّية تقول :
إخوتي المسلحين وأصدقائي الفاسدين وأعزائي المتسلقين قراركم من قراري فسيدوا وميدوا وصيدوا وبيدوا
وليثبت إصراره على تنفيذ حكمته وادعائه كان أول عمل قام به هو زيارته لدار الحكمة مصطحباً معه الإعلام ومروجاً لفكرة أنه لن يتصرف تصرفاً واحداً من غير الرجوع للحكمة
دخل الدار بتواضع طاووس وقدم استمارته بغطرسة مهووس بعد أن كتب في حقل الخدمة المطلوبة من الدار " التصرف بحكمة " وما إن شرب عصيره حتى جاءه الرد فأخذه ومضى وكان الرد نصائح متعددة منها:
_ لا وطن في اللسان ولا وطن في الجيب فموطن الوطن في القلب
_ قل لي على من تعتمد أقل لك من أنت فما من صالح يعتمد على فاسدين وما من فاسد يعتمد على صالحين
_ يقول المثل " من جرب المجرّب عقله مخرب
"_ لا تجتمع الحكمة والمصلحة في فكرٍ واحد فلا حكمة لذي مصلحةٍ ولا يسعى لمصلحةٍ طالب حكمةٍ
_ من يعجبك ادعائه سيدهشك تغيير ردائه
وعقد اجتماعه الأول لمناقشة دار الحكمة فكان قراره الأول إلغاء الحكمة من الدار وتحويله لفندق للوجهاء والأقرباء وأعضاء لجنة المصالحة الوطنية
وعين من كان اليد اليسرى لصانع الحلم يداً يمنى مطلقاً له يده بعد أن شفاه من الشلل الذي سببه له صانع الطيبة حينما قام بتحجيمه وعين من كان اليد اليمنى لصانع الحلم يداً يسرى له بعد أن شفاه من جلطته التي سببها له صانع الطيبة حينما طرح موضوع محاسبته
ولم يكتفي بالفاسدين من أبناء المحافظة بل صارت مرتعاً لكل فاسد سُمع عنه في البلاد تحت راية لجنة المصالحة وعين منهم المستشارين وخصص لهم الرواتب والسيارات
وانتعش الفساد وامتن الفاسدون وتألق المتسلقون فرغم إثبات قدرتهم على التأقلم مع كل الصانعين السابقين إلا أن هذه كانت مرحلتهم الذهبية فكلمتهم مسموعة وجيوبهم مدعومة وأفكارهم النيرة تملاً الأرض والسماء وما من أحد يجرؤ على اتهامهم مهما فعلوا فتاجروا بالمخطوفين وسرقوا المعونات وهربوا السلاح والمازوت والغاز وجنوا ثروات كبيرة من التوظيف والاستثناءات وتعيين المدراء وتعاونوا مع المسلحين واللصوص وكل أشكال الفاسدين ويمكننا أن نقول باختصار أنهم عاشوا أيام عزهم بكل ما في الكلمة من معنى
أمّا صانعنا فلمع نجمه على كل المحطات السياسية والفنية والدينية فلم يترك حقلاً إلا وزرع له فيه زرعاً ولم يترك بيتاً إلا وأذاقه طعم الألم فقد حمى المسلحين والفاسدين وحارب الشرفاء والمخلصين وتجاوز صيته كل الحدود مخترعاً أساليب جديدة لم تدرس في المعاهد المختصة بالإدارة فالسيارة التي تحترق نتيجة الطيش من الأقرباء يمكن الاستفادة من قصتها والادعاء بالتعرض لمحاولة اغتيال عن طريق عبوة ناسفة مظهراً أنه عدو المسلحين من جهة ومتفادياً الكلام عن حوادث السيارات المتكررة المسلمة للأقرباء والأصدقاء .
وفي يوم من الأيام وجد صانع المصالحة في بريده كتاب جاء فيهمقدمه : العامل في دار الحكمة سابقاً والعاطل عن العمل حالياً أعرض ما يلي :
أعلم أن يوم انشقاق سيادتكم بات قريباً وذلك لعلمي بأنكم أعدتم الذين كانوا يضغطون على الناس إلى الدرجة التي لم يستطيعوا بعدها الصمت فخرجوا مطالبين بإسقاط صانع الحلم وما قمتم سيادتكم بإعادتهم إلا ليعيدوا التحريض على الدولة بتصرفاتهم المدروسة والضغط على الناس إلى الدرجة التي لا يطيقون احتمالها . . . مثبتين أنكم أبداً دعماً للفساد والفاسدين
وما زالت الأيام تمضي وكلما أشرقت شمس نهار تتهامس حروف الوطن وتتسأل كلمات الأمل هل صار الانشقاق . . .