news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
الفك المفترس ... بقلم : أحمد عودة

وردة . . . . . تلك الزهرة الندية التي لم تتفتح بعد


وردة . . . . . لم تتجاوز عامها الثالث عشر ولم يقول لها أحد إن هذا الرقم مشئوم

وردة . . . . . تضم في طياتها ذلك العبير الذي لن يشم عطره احد و سيبقى في كنزه للأبد.

 تلهو مع أقرانها كالفراشات  . . . . ترن جرس الجيران وتتوارى وراء الجدران تضحك بصوتٍ عالٍ فيبتهج المكان وتشدو العصافير على ضحكاتها أحلى الألحان.

 

وبينما هي في اشد الأوقات حلاوة وأكثرها شقاوة همس احدهم في أذنها أن أمها في البيت تريدها ودعت رفيقاتها على مضض وذهبت لتلبي نداء أمها وأمام البيت شاهدت سيارة سوداء فارهة , استغربت لحال هذه السيارة وكيف حملتها عجلاتها إلى هذه الشوارع الضيقة  والحارات المنسية وما أن دخلت إلى البيت حتى أسرعت أمها إليها وغسلت يديها من أثار الشقاوة وألبستها ثوب العيد وأعارتها كندرتها ذات الكعب العالي .ولأول مرة في حياتها تفرد للريح ضفائرها وتسمح لنسمات الصيف أن تنساب وتدغدغ شعرها الأسود الطويل.

 

 وكادت أن تهوي إلى الأرض من فرط فرحتها فثوب العيد والكعب العالي كل ذلك مقابل أن تدخل وتسلم على ضيف والدها ذو السيارة السوداء الفارهة.

دخلت ونسيت أن تسلم على الضيوف كما طلبت منها أمها جلست بينهم ولم تعرف عن ماذا يتكلمون سمعت كلاماً عن دين والدها القديم وعن القسمة والنصيب و بازار طويل بين الغالي والرخيص و يرتفع صوت الرجال و تحلف بسوالفها النساء بأنها تساوي أكثر من ذلك بكثير ولم تنفرد أسارير وجه أبيها إلا عندما بدء يعد نقوده ... ويبارك لضيفه

 

 و بينما كانت وردة تقلب ناظريها بخجل بين الضيوف لفت انتباهها ذلك الضيف الثقيل ذو رأس ضخم وفك بارز كبير. و كم ارتعدت أساريرها و دب الرعب بقلبها عندما تبسم و كشف لها عن أسنان كبيرة مصفرة ,  ولم تتأكد إن الزيارة انتهت إلا عندما وقف الأب وراء الباب و أكد أن الموعد إن شاء الله يوم الخميس القادم . وبعد أن غادرت السيارة السوداء المكان طلبت من أمها أن تسمح لها بالذهاب إلى رفيقاتها ولكن الأم نهرتها وأنبتها وقالت أصبحت الآن صبية ومن تلبس الكعب العالي لا يمكن أن تخرج من البيت وتلعب بالحارات والأزقة.

 

ومضى عليها الأسبوع التالي وهي سعيدة مبتهجة الكل يهتم بها وأمها تشتري لها كل يوم ثياب جديدة وأغراض مثيرة وجاء يوم الخميس وعادت تلك السيارة الفارهة ولكن بحلة جديدة و زينة ملونة و ما هي إلا دقائق معدودة و عندما كانت أمها تلبسها الثوب الأبيض و تضع الألوان لأول مرة على وجهها فزادتها حسناً فوق حسنها وألقاً فوق جمالها سمعت من خلف الباب  صوتُُُ أجش يقول لها هل أنت موافقة فنعرتها أمها بكوعها و طلبت منها أن تقول نعم موافقة.

و عندها لم تستطع الأم إلا أن تضمها إلى صدرها وتعانقها دقائق طويلة ولم تدري وردة لماذا كل هذا البكاء حتى دخل الأب وانتزع البنت من حضن أمها وقال لها الجماعة يريدون الذهاب.

 

وعلى صوت زغاريد الجيران وقبلات الصديقات انطلقت السيارة السوداء بسرعة تلتهم الشوارع وتطوي المسافات وجلست هي في المقعد الخلفي وجلس بجانبها ذاك الرجل العتيد ذو الفك الكبير حاول أن يلمس يدها ويقترب منها فنفرت منه والتصقت بباب السيارة وكم تمنت أن ترمي نفسها من هذه السيارة و تعود راكضةً إلى بيت أهلها ولكن هيهات فالطريق طويل والليل مظلم والسيارة تسير بأقصى سرعتها .

 

ولم تدري ما كان ينتظرها في بيتها الجديد إلا عندما أوصد عليهما باب واحد وسمعت بأذنيها صوت طقطقة عظامها الطرية وذلك الفك المفترس يجثو فوق هامتها  . . .ويعتصر أنفاسها  . . . ويمتص رحيقها  . . . . ويتركها بعد ذلك حزينة باكية  كم كرهت بعد ذلك اسمها لأنه تلفظ  به  وكم اشمأزت من نفسها وقرفت من جسدها و حاولت أن تتقيأ مشاعرها فدخلت الحمام وحاولت الاغتسال من دنسها ولكنها لم تشعر بطعم النظافة أبداً لأنها أحست أنها متسخة من الداخل

وتمنت لو ينتهي كل ذلك الآن وبلحظة وأن يكون مجرد حلم مخيف وكابوس طويل ينتهي عندما تستيقظ.

ولكن في الصباح وعندما استيقظت وجدت ذلك الرجل يشخر بجانبها والزبد الأبيض يخرج من فمه وفكه المفترس يفتح ويغلق مثل ناقوس الساعة المزعج .

 

وبعد يومين جاء والديها  لزيارتها وللاطمئنان عليها فركضت وبكت بحضن أمها ونزلت وقبلت رجل أبيها ومسحت دموعها بحذائه وتوسلت إليه أن يعود بها إلى البيت لتمسك بأيدي أصدقائها وتذهب إلى مدرستها ولكن قهقهات ذلك الفك المفترس قطعت كل حديث ودمدم  ضاحكاً : الخروج من الحمام ليس مثل الدخول إليه .

أصبح الآن هذا البيت سجنها الكبير وغرفة نومها هي زنزانة التعذيب ولكن بمرايا بدل القضبان و زوج يقوم بدور الجلاد و السجان ولم تمض خمسة  أعوام إلا وكان لها ثلاثة أطفال ابنتان ورديتان مثل قطر الندى وطفل صغير مثل أبيه  ذو فك كبير .

 

نسيت زوجها وقصة أمسها و تفرغت لتربية أطفالها وبثت فيهم كل الرعاية والاهتمام وأغدقت عليهم الحب الذي حرمت طويلاً منه وشاء الزمان أن لا يطوّل  سجنها فأصبحت الأرملة الشابة ولم تتجاوز الخامسة والثلاثين همها الوحيد أن تضمن لبناتها أعلى درجات العلم والتحصّيل أما ابنها الوحيد فقد رفض أن يكمل دراسته واستلم متجر أبيه وهو الآن يبحث لوحده عن عروس صغيرة لان أمه رفضت أن تزوجه فتاة دون العشرين ولكنه أصّر إلا أن يقطف زهرة صغيرة مثل أبيه فحذار أن تكون هذه الزهرة من بستانكم تقطف لتروي بطولة زائفة .

 

                                               تمت

2011-06-12
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد