news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
حب .. على خط النار ..!... بقلم : غزوان رمضان
syria-news image

كان يوماً عظيماً رهيباً من أروع أيام حياتي ولكن عمر الشقي بقي (كما يقال)  و ها قد عدتُ إليكم مكللاً بنشوة الأمل والكثير الكثير من عبق الجولان  لم أعرف من أين أتتني كل تلك الشجاعة حتى كدت معها لا أهاب الموت أسمع أزيز الرصاص فأخاله سيمفونية رائعة تعزف لحن الشهادة و أرى الشهداء من أبناء وطني يتساقطون فأحسبهم أحياء عند ربهم يرزقون


كانت نقطة لقائنا الأولى في خان الشيح حيث توافد إليها من كل حد و صوب من أرجاء هذا الوطن العظيم شباباً من بلادي تحلوا بالصبر وأقسموا ألا يعودوا حتى تطأ أقدمهم أرض الجولان

و بعد عدة محاولات للدخول من القنيطرة وسعسع والحسينية منعنا فيها الأمن السوري خوفاً علينا من المجزرة التي بدأت تُرتكب على الحدود من عدو غاشم لا يعرف الرحمة تمكنا من الدخول إلى عين التينة عبر طريق زراعية وعرة وبعدها أرشدنا سكان المنطقة على الطريق فأجتزنا حاجز الأمم المتحدة وكانوا أفراداً من كتيبة كرواتية بادرتهم بالتحية فردوا بمثلها لقد كنا حريصين أن يعلم هؤلاء الأجانب اللذين أتوا من بلاد بعيدة برقي الشعب السوري

ترجلنا من الحافلات ومشينا على الأقدام مسافة طويلة ونحن نحمل أعلاماً سورية وفلسطينية كانت الباصات والسيارات تصطف على جانبي الطريق في طابور طويل ممل والكل يهرول أو يكاد في لهفة للوصول الى الشريط الحدودي كأنهم يخشون أن يفوتهم شيئاً من بطولة

 

وحده أزيز الرصاص المتقطع وأصوات سيارات الأسعاف تملأ المكان وصلنا أولاً إلى ساحة صغيرة تغص بسيارات الأسعاف ومتطوعين من الهلال الأحمر السوري كانوا ينقلون الجرحى بأستمرار وفي نهاية الساحة كان هناك رصيف أشبه بمشفى ميداني على الطريق وكان الرصيف يفضي الى مدرج صغير ينتهي بشرفة أرضها مصبوب من الأسمنت ومسيجة بحديد خفيف ليقف عليها من يحب أن يشاهد الطرف الآخر من الحدود

في البداية وقفت هناك لأرى هذا المنظر الرائع لم أرى مثله في الخيال رأيت مجدل شمس المحتلة واضحة جميلة تئن من رزح الاحتلال وأبناء الجولان الأبطال من الجانب الآخر وقد أحتشدوا على شرفة مشابهة لشرفتنا وأسطح الأبنية المطلة على الحدود وقوات العدو تقف عند سياجها مرتعدة خائفة تختبأ خلف مصفحاتها مدججة بالسلاح لتواجه شعباً أعزل لا يملك سوى صدور عارية تستقبل بكل جرأة رصاص العدو

 

أما على يسار الشرفة فكان هناك برج مراقبة صغير للأمم المتحدة في البداية لم أفهم لماذا لم يكن هناك أي جندي من جنود الأمم المتحدة متواجد عليه ولكن فيما بعد توضحت الصورة فلقد أردوا أن لا يكونوا شهوداً لما ترتكبه قوات العدو من مجزرة بدم بارد

 

تركت الشرفة ونزلت إلى الهضبة اقتربت أكثر من الأسلاك الشائكة ولكني كنت ما أزل بعيداً , الحشود في كل مكان ممتدة من الشرفة حتى الأسلاك الشائكة كجسر بشري متواصل وقد تمكن من كان منهم في المقدمة الصعود إلى الساتر الترابي وتحطيم الأسلاك الشائكة وفتح ثقب كبير تمكن من خلاله أبطالاً من بلادي من العبور واحتموا بساتر ترابي آخر بعد الأسلاك مباشرةً وهنا بالذات تفنن العدو برسم ملامح المجزرة فقد قامت القناصة بأصطياد كل من يرفع رأسه خلف هذا الساتر برصاص حي و بدون أية مقدمات

رائحة الموت في كل مكان الذاكرة تغلي بعيوننا سترى الأمة النهار وستشرق يوماً شمس التحرير وكلما سقط منا شهيد أو جريج جلجلت الحناجر بالهتاف الله أكبر و زغردت النساء

 

يا لله ما أقسى هذه الصورة وما أصعبها من منظر يختلط معها الحزن بالفرح والأبتسامة بالدموع لقد رأيت أمامي مباشرةً عشرات الشهداء ومئات الجرحى لا يفصلني عنهم سوى بضعة أمتار شباباً بعمر الورود كانت تنبض بالحياة قبل ثواني رأيتها تقتل ؛ تذبح وكأن هذه هي طبيعة الأمور فلا قانون يمنع ولا محرمات تردع و لكن كلما زاد العدو بأجرامه كلما أزددنا تصميماً وعزيمة

أقتربُ أكثر من الحدود من الأسلاك الشائكة الذاكرة تغلي نهارات بيضاء أمام عيني ووجه حبيبتي وحده بدر ينير سمائي صوتها الجميل يهمس في أذني يرسم لي كل ما أرى ملحمة رومانسية و على خط النار فقط يكتب الحب قصة جديدة يأخذ الوطن فيها ملامح الحبيبة ليزداد جمالاً على جمال وروعةً على روعة

 

قدمي تطأ أسفل الساتر الترابي أمد يدي لأتشبث ثمة ورود صفراء بلون الشمس و النار عبثاً أحاول التشبث بهم فأسقط على الأرض و بيدي تلك الزهور لم أحاول الكرة مرةً أخرى مقنعاً نفسي بحق العمر علي و أنا في عقدي الرابع و بعدم هوايتي أو أستطاعتي تسلق الجبال وقد بلغ مني التعب والأرهاق مبلغه فأعود ببطء كمن يفارق حبيبه

و قبل الرحيل أقف في أعلى الهضبة أشهد منظر الغروب من بعيد لم يكن غروب هذا اليوم كسائر الأيام فقد كانت الشمس جميلة حزينة خجلة وهي تودعنا ونحن نعاهدها من بعيد بأن يأتي يوم نكتب أسم بلادي عليها لتشرق مع التحرير

 

أغادر و في يدي تلك الوردات أقدمها هديةً لحبيبتي أغادر و في جعبتي الكثير الكثير من الذكريات أغادر و لكن حتماً سأعود ..

وبكل أعتزاز وفخر أقول في نفسي : لقد فعلتها .. لقد كنتُ معهم .. لقد كنتُ في الجولان ..!

 

 

تحياتي : غزوان رمضان

 

2011-06-14
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد