news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
الدفتر العتيق ... بقلم : م فواز بدور

لملمت الأحداث القلوب المتفرقة التي كانت منهمكة بمشاغل الحياة لتأمين لقمة العيش حيث لم نكن نجلس معاً كعائلة كما لم نكن نعير بالاً للأمان  الذي كان من بديهيات الحياة لدرجة عدم الانتباه لوجوده فمن يتفقد أصابع يده أو أعضاء جسده أو ينتبه لها قبل أن تؤلمه ليستخلص أن هناك الكثير من الحقائق المتماهية مع الوجود لدرجة عدم الانتباه لها .


 ونتيجة لانقلاب الأمور وافتقادنا للأمن وخوفنا مما تخبئه لنا الأقدار على يد من باعوا ضميرهم ومستقبل أمتهم من أجل حفنة من الدراهم أو بسبب حقدهم وخلفياتهم الإجرامية  صارت السهرات تجمعنا فنسهر أمام المنزل أو على الشرفات بانتظار تبادل إطلاق النار بين المخربين وقوى الأمن أو الجيش ليبدأ دورنا في تهدئة  روع النسوة وإعلان الكذبة اليومية  على الأطفال أن هذه ألعاب نارية أو تبادل طلقات خلبية بين الذين يلعبون دور اللصوص والذين يلعبون دور رجال الشرطة في لعبة "عسكر وحرامية "  أو هي تحيات بين الرجال السيئين الذين لا يجدون إلا حديث السلاح للتعبير عن الفرح أو الحزن أو تبادل التحيات

 

وفي أحد السهرات وكانت الجلسة هادئة لم تعلن بدء توترها بعد وإن لم نكن ننتبه لضوء القمر النازف كما مئات الشهداء والجرحى في وطن صارت لغة الدم أحد وسائل تعبيره عن الحرية جاءت ابنة أخي من الداخل حاملة دفترها وتمشي بتباطؤها المعهود  وتذمرها المعتاد من وظائف التعبير والنحو واللغة العربية وقالت " الآنسة تريد موضوع تعبير عن أحد الشهداء وأمي عم تقلي انو في شهيد اسمه هاني أنيس عباس وانتو بتعرفوا عنو معلومات معقولة من صف الرابع أنا بدي أعرف أكتب موضوع تعبير بدون ما حدى يساعدني ؟

 

لم أدري في تلك اللحظة كيف اغرورق الدمع في عيني وشغّل الذاكرة ومحا كل الأحداث الجارية ليظهر فجأة  الدفتر العتيق يملاً كل تلافيف وخلايا الدماغ بغلافه البني الذي كنت دائماً  أنزعه وأعيده إليه والذي كانت أمي تصر على الاحتفاظ به لقناعتها أنني مع فشلي الكبير في كل المواد العلمية لصعوبتها وعدم تناسبها مع الفكر المبدع لابنها والمواد النظرية لأن ابنها المتميز لا يحب الحفظ البصم ولكنه في التعبير تحديداً مميز لدرجة أن كل النسوة صرن يكرهن التعبير والمواضيع لأن أمي  كانت تطلب من أختي أن تقرأ كل ما أكتبه  من مواضيع على الجارات وهي تفتخر وتقول "عنجد مو مواضيعوا حلوة كتير " وطبعاً الجارات كنّ يوافقنها الرأي على اعتبار أنه لا ضير من سماع بعض العبارات غير المفهومة مع فنجان القهوة أو كأس المتة و الأكيد أنهنّ كنّ  يتناجين سراً  " كل أم بتفكر أنو ابنا عبقري زمانو " 

 

وأجبرني صعود الدم إلى رأسي في تلك اللحظات إلى الوقوف فذهبت إلى غرفتي وبحثت بين الأغراض القديمة ووجدته بعد جهد كبير وجدت دفتري العتيق وبدأت بتقليب صفحاته المغبرة إلى أن وصلت إلى مطلبي

اليوم الخميس 11 / 4 /1976  الحصة الثالثة  الدرس تعبير الموضوع الشهيد

بالقلم الأحمر على امتداد ثلاثة أسطر وبخط كبير وواضح

 

أكتب موضوعاً عن شهيد تعرفه  تبين فيه معنى التضحية و الشهادة  وتذكر أسباب  استشهاده ونتائجها  نجمتان باللون الأخضر على امتداد ثلاثة اسطر بيضاء في النجمة الأولى مكتوب "الشهيد " وفي النجمة الثانية  " أنيس عباس "

باللون الأسود تعريف للشهيد  وأيضاً ثلاثة اسطر

 الشهيد هو من استشهد  على يد العدو الصهيوني  أثناء تحريره الأرض العربية المحتلة  أو أثناء دفاعه عن وطنه ضد هجمات الجيش الإسرائيلي المدعوم من أمريكا وانكلترا وفرنسا ذلك الجيش الذي  يتصف بأنه طماع وغدار يريد دائماً احتلال المزيد من الأرض العربية  تثبيتاً لمقولة حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل

 

باللون الأحمر والشهيد أنيس عباس ضحى بدمه في حرب تشرين التحريرية عام 1973 في معركة  تحرير القنيطرة من الاحتلال الإسرائيلي  وله أربعة أولاد سمير وهاني وعباس ووائل وكانت زوجته حامل وقد قالت أنها ستسمي ابنها القادم إن جاء ذكراً أنيس على اسم أبيه وإن جاء أنثى أنيسة أقرب الأسماء إلى اسم أبيها  وهذا ما حصل

نجمتان باللون الأخضر مكتوب بالأولى "استشهد في " وفي الثانية " معركة التحرير "

وباللون الأسود إن العدو الإسرائيلي هو وحده سبب الدمار والخراب والقتل في المنطقة وعدم إحلال السلام ووحده من يقوم بقتل الشهداء ولم أسمع يوماً  أن هناك من شهيد استشهد إلا على يد العدو الإسرائيلي  (    )

 

باللون الأحمر عندما سئل ابن الشهيد الثاني واسمه هاني عن ماذا سيصبح في المستقبل قال أريد أن أصبح شهيداً مثل والدي فأبي بطل وأنا أريد أن أكون بطلاً مثله

نجمتان باللون الأخضر مكتوب بالأولى " أنيس عباس " وفي الثانية "هاني أنيس عباس " (   )

باللون الأسود مهما فعلت إسرائيل وأعوانها من جرائم وقتل وتدمير فهي لن تستطيع هزيمتنا لأن أطفالنا يحلمون بالشهادة  ويخططون لها من صغرهم

باللون الأحمر أي كرم يميز الشهيد الذي ضحى بدمه  من أجل وطنه وأي كرم يميز عائلته التي لن تبخل بشهيد ثان وثالث

نجمتان باللون الأخضر مكتوب بالأولى " النصر " وفي الثانية "لسوريا "

 

باللون الأسود إن إجرام الصهيونية لن يمنعنا من تحرير أرضنا العربية المحتلة في الجولان وسيناء وفلسطين العربية مهما حاولت إسرائيل وأمريكا طمس ملامحها العربية

وما إن انتهيت من القراءة حتى انتبهت إلى أن الدموع تركت أثارها الدائرية والعشوائية  فوق الصفحات المغبرة فأمسكت الأقلام التي كانت مع الدفتر وكتبت بالقلم  الأحمر في الآثار الموجودة عند تعريف الشهيد بالعبارة "أو تم اغتياله من العصابات الإجرامية لأنه يحافظ  على سلامة وطنه وأمنه  "  أما باللون الأخضر وعلى بعض آثار الدموع جانب النجمة التي تضم اسم الشهيد هاني أنيس عباس  فكتبت " حقق حلمه " وأما باللون الأسود فكتبت جانب إن إجرام الصهيونية  " أو المتآمرين الخونة المتعاملين معها والعصابات الإجرامية التي تسعى لتخريب وطننا الغالي وجره إلى المجهول  "

وفي نهاية الموضوع كتبت :

 

أحمر وابيض واسود ونجمتان خضر ودمعة أم شهيدٍ  وزوجة شهيد

أحمر وابيض واسود ونجمتان خضر وزغاريد النسوة ترحيباً بالعريس

أحمر وابيض واسود ونجمتان خضر ورش الأرز على موكب الشهيد ابن الشهيد 

 

وبحثت عن صفحة بيضاء في آخر  الدفتر العتيق وكتبت بين الدمع والكلمات

الشهيد هاني أنيس عباس  تولد عام 1966  لديه صبين وبنت عمرها ثلاث سنوات استشهد في طريق عودته من دوامه  على طريق حماة حمص عند مفرق الغجر  ومعه اثنين من رفاقه على يد العصابات الإجرامية

وأبوه أنيس عباس استشهد  في حرب تشرين التحريرية عام 1973 على يد العدو الصهيوني

 

لم تندب       أم الشــــهيد     لم تشهق بالبكاء

ما سمعنا     إلا الزغاريد            ومواويل الرثاء

ما سمعنا     إلا  الأناشيد             عن طهر الدماء

 

الأم :

يا بني الحكي   بسرّك

موتك   كسر  ضهري

الرصاصة    بصدرك

يا   ريتا      بصدري

الأخوة :

رافع راسي بهاني خي ودمو غالي كتير علي

قال  الوطن ساكن في وفدى الوطن انا وبي

 

الأم :

ابنك  اجى   لعندي

ودمعي  على خدي

تيتا    متل   جدي

بي   انقتل    غدرِ

شو   بقول   لخي

كيف   انقتل   بي

يا ريت   لو   فيّ

اعطيه من عمري

 

2011-07-07
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد