news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
نهاية قريبة ... بقلم : احمد عودة

أخرج من جيب سترته المفتاح ..... فتح الباب و دخل... كان الجو بارداً و مظلماً ... أشعل النور و نظر حوله  فوجد كل شيء حزين و كئيب و يشكو من وحدته ويعلن استسلامه و جحافل الغبار تملئ المكان وتلفظه دون استحياء و المقاعد فارغة تشبه الأوثان كم تمنى في تلك اللحظة لو يأتي بفأس سيدنا إبراهيم عليه السلام و يحطم كل هذه الأصنام .


ترقرقت الدموع في محاجر عينيه وأحس بغصة تملئ قلبه و تطبق على صدره و تذكره بأيام الزمن الجميل التي لن تعود أبدا....

كان كل شيء في هذه الشقة يذكره بها  فتلك الستائر الذهبية هي من اختارت لونها و شكل عقدتها لتتناسب مع لون الفرش البني و تلك اللوحات  هي من علقتها و وزعتّها في الشقة  وتلك الورود بيديها الغاليتين نسّقتها و زيّنتها و غرفة النوم هي التي أصرّت  أن تكون بيضاء ناصعة لأنها كانت مولّعةً باللون الأبيض ولا ترضى عنه بديلاً .

 

كان كل شيء جميل .... كان كل شيء جاهز... و بانتظار الربيع القادم لنقيم فرحتنا الكبرى ...

حيث كانت البدلة البيضاء تنتظر العروس في الخزانة و بطاقات الحفل جاهزة في المطبعة  و كان كل شيء يملكه رهن سعادتها وإشارة من إصبعها  و همه الوحيد هو إرضائها  ولا يتخيل حياته لحظة واحدة بدونها  كان يخاف عليها خوف الصائغ على ماساته و يداريها كما تداري الأم الحنون طفلها الرضيع  حتى أصبحت هي كل حياته ومنتهى آماله و لا تنفرد أساريره إلا عندما يسمع بسيرتها و يقفز قلبه خارج صدره إذا ذكر اسمها و لا يرتوي من شم نسيم الهواء الغربي  لأنه يمر من أمام بيتها  حتى أصبحت قبّلته و أنفاسها عطره و لمسة يديها هي دوائه و استمرار وجوده .

 

لم يكن يتصور أن ينتهي ذلك الحب العظيم بهذه الطريقة و يطوى طي السحاب و يصبح مجرد ذكرى حزينة في ذاكرة الأيام المنسية.

أما لماذا حدث ذلك فتلك هي قصتنا ............

 

كانت ريم تسكن في منطقة شعبية بسيطة و بدء اسم هذه المنطقة  يقفز إلى الواجهة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلد حيث بدأت تخرج من شوارعها و أزقتها بعض المسيرات التي تطالب بالحرية و الإصلاح و لم يكن يعلم أن في سورية يوجد ثلاثة و عشرون مليون مفكر و محلل سياسي و ناقد إعلامي إلا عندما يقوم بزيارة بيت خطيبته فهو مثل أي شخص عندما يريد زيارة خطيبته يحلم بجلسة رومانسية هادئة معها و كلام معسول يخرج من مبسمها و يخطط  كيف يلمس  يدها و ربما يكون محظوظ و يسرق منها قبلة و تصبح هذه القبلة شعلة تتوهج في قلبه أسبوع كامل و تعطيه زاداً و زوادة للزيارة القادمة.

 

أما منذ بدأت الأحداث فأن هذه الزيارة أصبحت جزءاً من برنامج أكثر من رأي و ربما كانت الأمور تتطور لتصبح حلقة من برنامج الاتجاه المعاكس كان كل من في البيت ينتظر زيارته ليدلوا بدلوه و يشرح وجهة نظره و يحلل الأحداث الأخيرة كما يحب و يشتهي و يتخيل.

 

 يتحدثون عن المسيرات والمظاهرات و عن ارتفاع سقف المطالبات و عن العصي و الهراوات و يتوعدون  بمزيد من الاحتجاجات و الإضرابات و كان يحاول دائماً أن يكون معتدلاً في موقفه  لا يسايرهم في كل الأمور و لا يعارضهم في كل ما يقولون يحدثهم و يذكّرهم بأنه طالما سيد الوطن أعترف بوجود بعض الأخطاء و ضرورة الإسراع بالإصلاح و أن الكثير من المطالب هي مطالب محقة و وعدكم بمكافحة الفساد و محاسبة المقصرين و أصدر العديد من القرارات الجديدة لرأب الصدع بين الحكومة و الشعب و بيّن لكم الفرق بين السرعة و التسرع  فعليكم الآن الانتظار و التروي لتتضح الأمور و تزال الغشاوة من العيون .

 و لكن لا حياة لمن تنادي ....و لا نداء لمن تحاكي ....

 

كان كلما صدر مرسوم أو عفو جديد يحمله بين ذراعيه و ينطلق فرحاً نحو بيتهم لعل المياه تعود إلى مجاريها و تردم الهوة بينه و بينهم فتقام على شرفه  قمة مصغرة لمناقشة التطورات الأخيرة و ما يستجد من الأمور و لكن كل ذلك لم يكن مجدياً معهم وكان كل واحد منهم لا ينظر إلا من منظاره و لا يسمع إلا صوت عقله  يريدون فقط خراب هذا البلد والعودة به إلى النفق المظلم .

 

وما زال يذكر جيداً أخر زيارة لبيت خطيبته  حيث كان الجو متوتراً للغاية بالقرب من منزلهم و اضطر للوقوف أمام الحواجز عدة مرات ليصل إليهم  وحين طرق الباب و دخل و سلم عليهم لم يستطع أن يخفي مظاهر الملل و الضجر التي أصابته على الحواجز و بدأ بإلقاء اللوم على من افتعل هذه الأحداث و حرمنا من نعمة الأمان و الاستقرار التي كنا نعيش بها و لكن خطيبته لم تشاطره الرأي و ألقت باللائمة على عناصر الأمن الذين يطوقون المكان ويفتشون السيارات و يحتجزون الشباب و ما كان منه إلا أن ذكرها  بأن سبب المشكلة محصور في منطقتهم و باقي أحياء المدينة آمنة و هادئة و لا يوجد فيها  أي من هذه المظاهر وعدنا إلى السؤال الأزلي و النقاش الأفلاطوني من خلّق أولاً البيضة أم الدجاجة أو بالأصح هل بدأت المشكلة بالمظاهرات التي خرجت تنادي الحرية و الإصلاح أو عن طريق ممارسات بعض عناصر الأمن و الشرطة التي حاولت بسط سيطرتها و أعادة الأمور إلى نصابها أم أن أطراف أخرى دخلت على الخط الساخن و بدأت تصطاد في المياه العكرة ....؟

كانت كل سبل الحوار مقطوعة وكافة قنوات التواصل مغلقة و أحس بحاجته إلى محكمة دولية تفرق بينهما وتزيل اللبس الحاصل في كل أحاديثهم  حيث كان كل منهم يتربص بالطرف الأخر ولا يغفر له زلة.

 

ضاقت بهما الطرقات بعد أن رحبت و وصلا إلى حافة الهاوية و ظهرت علامات التعب و الإرهاق على خطيبته وانفجرت باكيةً واتهمته بالجبن وعدم الشعور بالمسؤولية وفقدان الإحساس بالناس ورمت محبسها في وجهه وطلبت منه نسيان كل ما جمع بينهما ....

مسح دمعة أخرى ترقرقت من عينيه .. قام و أطفئ النور و ترك المكان بارداً مظلماً وهو لا يلوي على شيء .

2011-07-13
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد