news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
إله العصر ... بقلم : إبراهيم الغفري

إحدى أسخف معطيات هذا العصر، أننا نحسب أنفسنا أحراراً.. لكن في الحقيقة المقموعة أن هناك سياسة مرسومة من أجل أن نكون عبيداً حتى في تفكيرنا، فنحن نفكر كما يريد هؤلاء الساسة الذين خططوا لذلك.. فهم هيئوا لنا بيئة خارجية تتيح لنا التفكير ضمن الخريطة التي رسموها لنا دون أن نستطيع الخروج منها، فنحن لن نسمح لأنفسنا بذلك!


فتبدأ حياتك ودعني أقل أنك شاباً في الثانوية العامة، فيقول لك الأهل الذين هم ضحايا في هذا السجن، أن أمامك عدة طرق وعليك أن تختار واحداً منها -هذا إذا لم يسرقوا منك حق الاختيار-.. لكن في كل الأحوال.. أنت مسجون ولا تملك الاختيار الحقيقي، فجميع هذه الطرق لا تتيح لك التعبير عن إنسانيتك.. فأمامك أن تدرس كالبغل وأن تحشو دماغك بما تقتنع به وما لا تقتنع به، المهم أن تتعلم ما يريده هؤلاء النخبة مؤسسي هذه المعرفة السامة، فهذه المعرفة تدعي أنك مخلوق ضعيف ولولا هذه الوسائل الحديثة التي تعتمد عليها في حياتك لكانت شقاء، فلولا الأدوية الكيميائية فأنت في شقاء من الأمراض، ولولا مصادر الطاقة لكنت في شقاء من البرد القارص (لولا المازوت) والجوع (لولا الغاز) وصعوبة الحياة (لولا التكنولوجيا التي تعتمد على الكهرباء في تسهيل أمور الحياة)، وبنفس الوقت فأنت لا تستطيع الحصول على هذه المصادر إلا إذا كنت تملك المال والذي لا يمكنك أن تملكه إلا إذا كنت (عبداً) في هذا النظام الشرير...

 

     إذاً فأمامك أن تختار الدراسة من أجل الحصول على وثيقة ورقية تثبت أنك تعلمت جميع العلوم التي يرغبونك أن تتعلمها، وأنت الآن مستعد للدخول في هذا النظام الاستعبادي، وسوف تتصرف كعبد لهؤلاء يفلحون عليك ويهضمون حقوقك دون استعمال الحبوب الملينة.. فتركض كالحمار من شركة إلى أخرى حكومية أو خاصة حتى يشتريك أحد هؤلاء ويعينك عبداً في مملكته، وتتشكل لديك صفات من حيوانات مختلفة، بل وغير موجودة، فتركض كالكلب وتتألم بصمت كالحمار وترقص بهلوانياً من الجنون في تسيير إحدى معاملاتك القانونية وأنت كالشمبانزي.. ويتم بوساطتك اكتشاف صفات حيوية جديدة لحيوانات مستقبلية من المحتمل أن تظهر على هذا الكوكب!

 

     أما إذا اقتنعت بأنك لن تستطيع السير على هذا الطريق المليء بالأشواك التي لا تنتهي، وكنت تملك القدرة على التمرد، فتختار التمرد وتتمرد على أهلك في بداية حياتك، وتترك الدراسة وتذهب كالضائع وتظن أنك أنت من يقرر إلى أين يذهب.. لكن في الحقيقة مهما ضعت ومهما ذهبت وأتيت فبالنهاية أنت ستذهب في الطريق الذي رسموه لك، حيث ستدرك في إطار هذا النظام أنك بحاجة لإحدى أهم مقومات هذا النظام، فتبدأ بالبحث عن المال وبالتالي عن عمل.. حينها ستجد وبعد فترة ليست بقصيرة من يتقبل سيرتك الذاتية المضيئة بالفشل، وتقبل أن تكون عبداً عنده ولكن من رتبة قليلة أيضاً، فهو إما أن يكون مستعبِد، أو مستعبَد أيضاً.. "شرواك بالخير" !.. الاختلاف في الحركة كما ترى. وتصبح عبداً أيضاً في هذا النظام...

 

     وأما إن كانت إنسانيتك قوية إلى حد كبير، فأنت ستصرخ وتثور وتتهم الجميع.. ثم ستدخل في حالة من اليأس من الممكن أن تدفعك إلى الانتحار، وبالتالي فإن وجودك أو عدم وجودك لن يؤثر كثيراً على هذا الإله العصري.. أما إذا استبعدنا الانتحار، فأنت –ومن شدة يأسك- ستتعاطى المخدرات أو ستدمن الكحول (الموضوعة لك من قبل هؤلاء أيضاً)، وذلك سيؤدي بك إلى طرق وعواقب جديدة مرسومة أيضاً على الخريطة كما أصبحت تعلم.. فبالنهاية –وإذا لم تمت- ستدخل السجن وتصبح عبداً مسجوناً ينتظر الحكم أو يمارس عقوبته نادماً ثم يخرج مقرراً أن يصبح عبداً مجتهداً وفياً لآلهته!... وفي أحسن الأحوال بالنسبة لك فإنك لن ترضخ لهؤلاء وبالتالي ستعود إلى السجن مجدداً وسيتم قمعك بأي طريقة ممكنة.

 

     وبعد أن أدركت حقيقتك في هذا الواقع، ماذا تريد أن تفعل؟ هل ستبحث عن هؤلاء وتلقنهم درساً؟ هل ستثور وتصرخ وتهدم وتعبر عن غضبك فقط دون أن تهتم بالعواقب؟ هل ستفكر بطريقة تجعلك تعيش بينهم دون أن تتعرض للضرر الذي يريدونك أن تتعرض له؟ هل ستكتب المقالات وتؤلف المنشورات وتصنع إعلامك الخاص من أجل أن تخبر العبيد الآخرين بهذه الحقيقة؟ هل ستعد العدة من أجل الحرب؟ هل ستقاوم خططهم؟

في كل الأحوال... ولأنك إنسان فإنك ستفكر في كل هذه الأشياء..

2011-08-24
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد