news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
قراءة حول الحوار الذي أجراه الرئيس السوري بشار الأسد مع التلفزيون السوري ... بقلم : د. جميل بغدادي

كان المواطنون في الوطن الحبيب سورية ، ومغتربوها في الدول العربية والأجنبية على موعد مع الحوار الهام الذي أعلن عنه التلفزيون العربي السوري للقاء السيد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية ، وكان الكثيرون من المراقبين والسياسيين والمهتمين الدوليين في الشأن السوري في حالة ترقب لهذا الحوار ، خاصة وأن الكثيرين من المواطنين العرب أولوا هذا الحدث أهمية خاصة نظراً لأهميته في الكشف عن تفاصيل كثيرة كانوا في أمس الحاجة للاطلاع على محتواها ومعرفة ما هو الجديد حولها .


فقد كان الشغل الشاغل للسوريين ولغير السوريين خلال الأشهر الستة الماضية ما يجري في سورية من أحداث مؤسفة ، وما يستهدف الوطن العربي تحديداً من مخاطر تنعكس سلباً ليس على حكوماته فحسب بل على شعوب المنطقة الذين يتحملون أولاً التبعات الاقتصادية عن مثل هذه الانتفاضات أو الثورات ، ولعل الأحداث المؤسفة في ليبيا وتدخل قوات حلف الأطلسي العسكري فيها ، أوضح للجميع أن حجم الخسائر المادية والبشرية قد ازداد أضعافاً مضاعفةً نتيجة القصف غير المسؤول بحجة القضاء على نظام العقيد معمر القذافي ، هذا القصف العشوائي العنيف الذي أودى بحياة المئات ودمر البنية التحتية والاقتصادية والتي ستنعكس سلباًُ على المواطن الليبي .

 

 إذاً اتسم الحوار مع الرئيس السوري بالأهمية نظراً لما يعترض الوطن من مخاطر وانعكاساته على مستقبل شعب بأكمله ، بل على مصير الوطن العربي جميعه ، لأن سورية أثبتت للعالم أجمع أنها قلعة الممانعة المتبقية ، وأنها حاضنة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي ، وأنها ندةً للاستعمار بجميع أشكاله ، وهذا ما أثبتته الضغوطات المتلاحقة التي تتعرض لها سورية قيادةً وشعباً ، وفي مقدمتها الرئيس السوري بشار الأسد الذي طالبته بعض الدول بالرحيل لأن كل إصلاحاته وكل محاولاته لخدمة الوطن ورفعة شأنه تتعرض من قبلها إلى حملات أكثر قوةً وعنفاً لأنها لا تريد الإصلاح ، بل تريد أن ترى البلاد ممزقة ضعيفة ، فهذه الضغوطات السياسية والاقتصادية التي تزداد حدةً بمرور الأيام لن يتأثر بها السياسيون كما تدعي وتروج الدوائر الأوروبية بل تستهدف الشعب السوري بأكمله في لقمة عيشه وحياته الكريمة ، تستهدفه من أمريكا ومن يدور في فلكها من الدول الأوروبية وفي مقدمتها دول بدأت تشهد توترات وانتفاضات بأشكال وصور مختلفة وأخص منها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا . نعم لقد جاءت هذه العقوبات لتطلب من سورية قيادةً وشعباً الرضوخ للإملاءات الخارجية ، وأن تنفذ كل ما يطلـب منها دون أي اعتراض ، أن تجيب على الأوامر بكلمات تعود الغرب سماعها من الكثيرين وفي مقدمتها : نعم ، حاضر ، كما تريدون ، ولكن سورية حكومةً وشعباً ترفض الذل والهوان ، ترفض الإذعان لهذه الشروط والرغبات التي تعتبرها انتقاصاً من سيادتها وكرامتها وحريتها . 

 

وعودةً إلى الموضوع الرئيسي أقول لقد استقطب الحوار الذي أجراه التلفزيون السوري مع الرئيس بشار الأسد بأهمية كبيرة ليس فقط من قبل الإعلام السوري فحسب ، بل من قبل الإعلام العربي والغربي على حد سواء ، فقد جاء الحوار ليسلط الضوء على المشهد السياسي والاقتصادي ، وما هي الضغوطات التي تتعرض لها سورية ، وكيف تواجه هذه الضغوط ، وما هي رؤيته لمستقبل الوطن في ضوء التطورات التي يشهدها الوطن ، خاصة وأن الوضع الأمني قد ازداد عنفاً وحدة مع بدايات شهر رمضان المبارك ، حين أراد الغرب استثمار هذا الشهر الفضيل المترافق بصلوات التراويج لتحريض شرائح الشعب على التظاهر  للإطاحة بالنظام ، ولكن المشهد السياسي خالف توقعاتهم فقد كان السوريون جميعاً بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم على قدر المسؤولية ، وتمكنوا من إحباط ما يدبر ويخطط لسورية للإيقاع بها في براثن الفوضى والخراب   والدمار .

 

أجاب الرئيس الأسد عن جميع التساؤلات التي تهم المواطن السوري ، وتحدث بهدوء وشجاعة وعقلانية بردود منطقية على جميع الأسئلة التي طرحت عليه ، تحدث بنفس القدر من الحماسة عن السلبيات وعن الإيجابيات ، تحدث من خلال التحليل الدقيق لوقائع الأمور عن الفترة الحالية وعن مستقبل البلاد ، تحدث عن أهمية الحوار وضروراته في هذه المرحلة الحساسة ، وقال إن حزمة القوانين التي صدرت والتي ستصدر لاحقاً ستحقق أحلام الشعب ، وتطرق إلى أهمية الأمن ودور الجيش في تثبيت الاستقرار والآمان ، تحدث عن خطط أمنية جديدة لم يعلن عنها لضرورة نجاحها من أجل القضاء على المجموعات المسلحة التي بدأت تتخذ من العنف وسيلةً لها . تحدث عن قوانين الطوارئ والإعلام والأحزاب والإدارة المحلية وقال إنها جميعها تصب في خدمة المواطن ، تحدث عن تعديل الدستور جميعه بدلاً من تعديل المادة الثامنة منه فقط والتي تنص على أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب الحاكم في الدولة ، لأن تغير الدستور يتناسب أكثر مع المرحلة الانتقالية الهامة التي تشهدها سورية .  

 

لقد اتسم حديثه بالموضوعية والشمولية فتطرق إلى جميع المواضيع الحساسة التي تهم المواطن العربي السوري ، مطمئناً الشعب بأن البلاد قد تجاوزت الأزمة ، وأن سورية ستخرج أكثر قوةً ومنعةً ، لأن الشعب السوري بمختلف شرائحه هو من فوت الفرصة على الخارج التي أرادت أن تقوض النظام ، لأن سياساته ومواقفه الثابتة تتعارض مع مصالح الغرب الحاضن الأول لإسرائيل ولعملاء إسرائيل . وأكد بحزم أن الدولة لن تستثني أحداً وأنها ستحاسب كل من تورط بجرم ضد أي مواطن سوري ، وستعاقبه بشدة عندما تثبت التهم عليه بالدليل القاطع ، منوهاً بأنه لن تتم تبرئة مخطىء أو محاسبة بريء .

 

أوضح الرئيس بشار الأسد في حديثه أن القرار السوري قرار مستقل وسيادي مرتبط بالشعب ومستمد منه فهو الذي اختاره رئيساً للبلاد ، ولم يأت كغيره من الزعماء بقرار أمريكي أو أوروبي ، فالشعب إذاً هو من منح الرئيس الأسد الشرعية ، وهو من يمثل تطلعاته ويتبنى ثوابته ويدافع عن حقوقه .

 

لقد أفرز الحديث لهجة إلى الغرب لم تتعودها هذه الدول ، لهجة اتسمت بالقوة والشجاعة ، لهجة أوضح من خلالها أنه لن يكون هناك في أي يوم من الأيام أي مساومة على مسائل الممانعة والمقاومة ، وخاصة فيما يخص الصراع مع إسرائيل ، موضحاً أن سورية بلد لا تمس سيادته ولا قراره المستقل ، وأن الولايات المتحدة وسواها من الدول ليست وصية ً عليه وأن الشعب السوري هو الذي اختاره ، وأن الشعب هو الذي يضع السيادة والقرار المستقل دون أن يسمح لأي كان التدخل في شؤونه الداخلية ، وجاء ذلك رداً على سؤال حول طلب الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها من الرئيس الأسد التنحي .

 

لم يفرق الرئيس الأسد في حديثه بين شخص وآخر ، لم يفرق بين أي مكون من مكونات الشعب السوري ، فقال إنه شعب عريق وحضاري ، وسورية في حال استثناء أي مكون من مكوناتها لا يمكن أن تكون سورية التي نعرفها ، وأشاد في حديثه بأكراد سورية وقال إنهم من نسيج الوطن ومن مكوناته الأساسية وإنهم قدموا للوطن الكثير من التضحيات بدءً من الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي وحتى يومنا هذا .

 

وكما عودنا الرئيس بشار الأسد في حواراته فقد كان صريحاً وجرئياً وحاسماً في مواجهة المخططات الغربية الهادفة إلى إركاع سورية ، وقال بهذا الخصوص إن الإصلاح بالنسبة إلى جميع الدول الاستعمارية من الدول الغربية هو أن نقدم لهم كل ما يريدون وأن نتنازل عن كل الحقوق ، وهذا شيء لن يحلموا به في هذه الظروف ولا في أي ظروف أخرى ، موضحاً أن علاقة سورية مع الغرب كانت دائماً علاقة نزاع على السيادة لأن هدف الغرب هو نزع السيادة عن سورية ، وسورية تتمسك بسيادتها دون أي تردد ، وأشار إلى أن المخططات كانت تستهدف سورية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، ولكنها فشلت في تحقيق حلمها في ذلك التوقيت ، وستفشل في تحقيق أحلامها هذه المرة أيضاً . وفي حديثه عن الإصلاح وضح الرئيس بشار الأسد أن هذا الإصلاح لم يأت وليد الأحداث التي شهدتها سورية في الفترة الأخيرة ، وهو ليس ناجم عن الضغوطات الخارجية التي تستهدف الوطن ، وكلام السيد الرئيس تثبته الوقائع والشواهد فهو ينسجم مع المعطيات التي تحققت على أرض الواقع ، فقد قدم لسورية خلال السنوات العشر الماضية ما لم يقدمه أي رئيس عربي لشعبه ، لقد تخلص من الدين السوري الخارجي بحيث لم نعد مدينين بقرش واحد للخارج ، زاد الرواتب والأجور بنسب وصلت إلى 20% ، قـدم المنح السنوية للعاملين في الدولة ، شجع التعليم بمراحله كافةً وسمح بفتح الجامعات الخاصة وهذا ما لم نعهده من قبل ، سمح بدخول المصارف العربية والأجنبية وسمح بتداول العملات الأجنبية بعد أن كان ذلك جريمةً اقتصاديةً في السابق ، أدخل وسائل الاتصال الحديثة وجعلها إلزامية في جميع دوائر الدولة ، شجع على تطوير البنية العمرانية وتحديث المدن السورية جميعها من جسور وفتح طرقات وبناء الفنادق والمجمعات السياحية ، اهتم بصحة المواطن وقدم التسهيلات لبناء المشافي وشمل الموزفين والعاملين بالرعاية الصحية .

 

في الختام نتمنى لسورية الخير والأمن والآمان وأن تحقق الدولة أهدافها لدعم مسيرة التطور والإصلاح ، ونستشف من حديث الرئيس بشار الأسد أنه متوجه نحو الإصلاح مهما كان الثمن ، ومهما كانت التحديات التي تعترضه لأن المعطيات جميعها أثبتت أن الغرب يعرقل كل خطوات إصلاحية يقوم بها ، فالأحداث تزداد عنفاً وقوةً وتترافق بحملات التحريض الإعلامي مع كل إنجاز أو مرسوم أو قانون يصدره ، ولكن سورية ماضية في طريقها نحو الإصلاح مهما عظمت التحديات ، وهذا سيترجم على أرض الواقع من خلال توافق جميع الآراء ونبذ الضغائن والأحقاد وفتح صفحة جديدة ، وكما قال السيد الرئيس في حديثه للتلفزيون السوري إن الحوار هو الحل الوحيد للخروج من الأزمة ، هذا الحل الذي اختارته سورية منذ بداية الأزمة لإيمان القيادة السورية بأن الحوار السياسي هو الأفضل وليس الحل الأمني الذي اضطرت لاستخدامه من أجل مواجهة المعارضة المرتبطة بالعنف المسلح ، وليست المعارضة السلمية التي أطلقت في بداية الأزمة شعارات الحرية والديمقراطية . لنمضي جميعاً معارضة وموالاة ، حكومة وشعباً نحو سورية أكثر قوةً وحكمةً وشجاعة ًوحريةً وكرامة ً .

 

2011-08-24
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد