news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
هل هناك إمكانية لتطبيق الديمقراطية في الدول العربية ؟ ... بقلم : د. جميل بغدادي

منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورات العربية خرج المتظاهرون ليطالبوا بتطبيق الديمقراطية والحرية وإطلاق شعارات جميلة تؤكد على هذا الجانب الذي نتمنى جميعاً تطبيقه على أرض الواقع في جميع أرجاء الوطن العربي نظراً لغيابه المقصود في مجتمعاتنا العربية .


ولا يستطيع أي مسؤول أو مواطن عربي أن ينكر هذه الحقيقة ويقول إن الديمقراطية تطبق في بلاده ، وأن الزعماء يمارسون الديمقراطية بحق شعوبهم ويمنحون مواطنيهم القدر الكافي من الحرية والديمقراطية ، ولكي لا أكون متعصباً حيال هذا الموضوع أستطيع القول إن الديمقراطية في وطننا العربي معدومةً بشكل شبه كامل باستثناء دولة عربية واحدة لديها مساحة كافية من الديمقراطية التي تترجم على أرض الواقع ، ونحن جميعاً نرفع القبعات إلى لبنان الشقيق الذي يمارس جزءً كبيراً من ديمقراطيته رغم المحن الكبيرة التي تعرض لها وفي مقدمتها الحرب الأهلية الظالمة التي كان عرضةً لها .

 

وفي عودة للحديث عن الديمقراطية أستطيع القول إن الشعوب العربية أجمعها تواقة إلى تحقيق الديمقراطية وتطبيقها على أرض الواقع وترجمة الأقوال إلى أفعال ، ولكن من الملاحظ أن اللهجة بدأت تتغير وتزداد وتيرتها ونغمات إيقاعها بشكل متصاعد مما شكل إجهاضاً للثورات العربية . لأن الدعوات ابتدأت بالحديث عن الديمقراطية والحرية والقضاء على الفساد ، وهي مطالب نقف جميعنا معها ونؤيدها معارضةً وموالاة . ولكن سقف المطالبات ازدادت حدتها بتحريض خارجي بالدعوة إلى إسقاط الحكومات وصولاً إلى إسقاط الزعماء ، وكان تسلسل الأحداث بداية من تونس الخضراء انتقالاً إلى مصر واليمن وليبيا وصولاً إلى سورية التي تشهد هذه الأيام أكبر حملة إعلامية وسياسية يراد منها إسقاط النظام والوقيعة بين أفراد الشعب من خلال حرب أهلية خطط لها منذ بدأت الأزمة السورية في 15 آذار 2011 . ولكن جميع هذه المحاولات فشلت حتى الساعة لأن الشعب السوري استطاع حتى اللحظة إحباط ما خطط له بسبب وعيه وإدراكه لحجم المؤامرة ، وسواءً اقتنع البعض بوجود مؤامرة تهدد أمن سورية أم لم يقتنع فالوقائع جميعها تشير إلى ذلك ، وتشير إلى أن الغرب وأنصاره من بعض الدول العربية الداعمة للثورات العربية يسعون إلى جر البلاد إلى حرب أهلية يراد منها القضاء على أخر معقل للمقاومة في وجه المخططات الرامية لإحكام القبضة على المنطقة بشكل مطلق وتحقيق الأمن والآمان إلى إسرائيل المستفيد الأول والأخير مما تشهده دول المنطقة ، بعد أن وضحت الصورة بإقرار الكثيرين من الزعماء العرب للمخططات الخارجية والعمل على إشعال نار الفتنة وجر البلاد إلى أتون الهاوية من أجل الوقيعة بين أبناء الشعب الواحد .

 

المشهد السياسي اليوم لا يدعو إلى التفاؤل لا من قريب ولا من بعيد ، مخططات تحاك هنا وهناك ، وهجمات شرسة من الخارج لزعزعة الاستقرار من خلال استثمار معارضة الخارج المحسوبة على دول نسجت فصول المؤامرة وحبكت تفاصيلها ، بدليل أن معارضة الداخل رفضت بشكل واضح أي شكل من أشكال التدخل الخارجي ، وعندما أدرك الغرب انقسام المعارضة في الداخل والخارج بين مؤيد ومعارض للتدخل الخارجي   وجد أن هدفه لن يتحقق إلا من خلال جامعة الدول العربية ليحصل على قرار إدانة ضد سورية بذريعة حماية حقوق الإنسان ، علماً أن الغرب أبعد ما يكون حرصاً على حماية حقوق الإنسان في سورية وفي أي دولة عربية أخرى ، بدليل حقوق الإنسان التي يتمتع بها المواطن الفلسطيني والدعم الأمريكي والأوروبي الغير محدود لإسرائيل في ممارسة قمعها التعسفي ، لقد أرادوا أن تصبح الجامعة العربية غطاءً لهم للتدخل في الشأن السوري الداخلي بعد أن نجحت قبل مدة من سحب الغطاء عن ليبيا .

 

لا أريد الحديث عما سيحمله الغد من مخاطر ستؤثر سلباً في المنطقة العربية كلها ، ولكني أريد العودة للحديث عن الديمقراطية والحرية ، وهل تستطيع شعوبنا أن تواكب وتمارس ديمقراطيتها بالشكل الصحيح ، جميع الدلائل والوقائع تشير إلى أننا نطلق مجرد شعارات وأننا واهمون بهذه الشعارات ، فنحن لا نعرف ما هي الديمقراطية على حقيقتها ولا نريد تطبيقها ، انظروا إلى ما حققته الديمقراطيـة في دول الجوار ، شاهدوا الحريات التي يتمتع بها المواطنون العرب في بلاد الشام ودول الخليج والدول العربية الأفريقية ، القيادات جميعها بيد العائلات المالكة والحاكمة والنخب العائلية ، وسؤالي هو : هل الديمقراطية تطبق اليوم في تونس بعد مرور أكثر من 10 أشهر على إسقاط الرئيس زين العابدين بن علي ؟  هل طبقت الديمقراطية في العراق الذي ينزف دماً منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 بحيث لا يخلو أسبوع واحد من حوادث تفجيرات أو اغتيالات ، هل تحققت الديمقراطية في ليبيا التي نجحت بمساعدة حلف الناتو من القضاء على حكم العقيد معمر القذافي وتصفيته ديمقراطياً دون أي محاكمة ؟ ألم تروا ما يحدث في اليمن والبحرين والكويت والأردن من تظاهرات وانتهاكات لحقوق الإنسان ، ألم تستغربوا الصدام العنيف الذي جرى في اليومين الماضيين في القاهرة والإسكندرية وعدة مدن مصرية احتجاجاً على بند في الدستور الذي يؤسس حالياً بعد إسقاط الرئيس حسني مبارك تضمن كلمة دولة مدنية بدلاً من كلمة دولة إسلامية ؟ ألم تسمعوا بأن المتظاهرين المصريين الغاضبين الذي تم تأجيجهم زادوا من سقف مطالبهم خلال هذين اليومين بداية بإسقاط حكومة عصام شرف ومن ثم إقصاء المجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي وتأسيس حكومة طوارئ ، هل هذه هي الديمقراطية التي يفسـرها كل واحد منا حسب ما يشاء ؟ إذا أراد كل منا أن يطبق الديمقراطية التي يريد فأقول لكم لقد تحقق المخطط الخارجي بتشجيع الفتن ، وأعلنت وزارة الصحة المصرية عن سقوط 10 قتلى و1800 جريحاً بسبب الصدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن بسبب كلمة رفضتها التيارات الدينية ، ولا ندري ما الذي ستحمله الأيام القادمة من مفاجآت بالنسبة إلى مصر وسواها من الدول التي تشهد ثورات الربيع العربي أو تلك التي ستشهد لاحقاً ثورات مماثلة لأن المناخ العام وتشجيع قوى المعارضة يشجع الشعوب على هذه الخطوة . ألا تدركون حجم الخطر المتربص بنا ؟ في حين أن بعض الحكام العرب مستغرقون في أحلامهم الوردية وفي دعم المعارضات اعتقاداً منهم أنهم سيكونون بمنأى عن الخطر لأنهم ينفذون الأجندات الخارجية المطلوبة منهم .

 

نحن السوريون نردد دائماً بأننا مع المعارضة السلمية التي تنادي بشعارات الحرية والديمقراطية ، المعارضة التي تتخذ من الحوار هدفاً وسبيلاً لها ليعم الخير على الجميع ، نحن نستهجن تحريض الخارج لبعض الفرقاء على تحويل المشهد السياسي إلى حرب أهلية في سورية ، نحن نعيش جنباً إلى جنب بإخاء ومحبة وتسامح ، ولهذا فقد فشلت مخططاتهم ، نحن قادرون على تخطي الأزمة بالاعتماد على شـعبنا الذي راهن البعض على انقسامه ، وحلموا بأن يشهدوا الحالة الليبية أو اليمنية تطبق على الواقع السوري .

 

 لقد أثبتت الوقائع بأن الشعب السوري شعب واع  وعلى قدر كبير من المسؤولية لا يمكن الإيقاع به أو التشكيك بوطنيته ، شعب يعرف أن الكلمة الطيبة وحدها كفيلة بتجاوز الأزمة لأنها سلاح أقوى تأثيراً في النفوس ، ونحن ندرك الآن تأثير الكلمة في بعض الفضائيات العربية وتأثيرها النفسي السلبي بالمشاهد من خلال تشويه الحقائق بما يخدم مصالح المحطات الفضائية ومن يقف خلفها .

 

 لقد تحدثت القيادة السياسية في سورية على الدوام أنها مع الإصلاح والقضاء على الفساد ، وتم إصدار قرارات وتشكيل لجان لتحقيق رغبات الشعب ، ولكن الضغوط الخارجية حالت دون تحقيق الوعود . لقد انحرف البعض من معارضة سورية عن المسار  السلمي وتم تزويدهم بالسلاح كي يعتمدوه أسلوباً لإحداث التغيير ، لقد أراد الغرب الإيقاع بين أفراد الشعب الواحد من خلال حرب أهلية وعندما أدركوا فشلهم في ذلك بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر ، خططوا للتدخل الخارجي وأرادوا غطاءً عربياً لذلك من خلال جامعة الدول العربية ، التي نفذت بدورها الأوامر المعطاة لها ، بدايةً لم تعترف بوجود معارضة مسلحة في سورية بل حملت النظام السوري المسؤولية كاملةً عن انتهاك حقوق الإنسان ، ولم تكتف بذلك بل هددت بعقوبات اقتصادية واسعة تنفيذاً لرغبات أمريكية ستطال لقمة الشعب السوري . ولهذا أريد أن أسأل الجامعة هل تعاقبون النظام أم تعاقبون الشعب السوري ؟  لقد صممتم أذنيكم عن تصريحات المسؤولين في الخارجية الأمريكية بالطلب من المسلحين عدم تسليم أسلحتهم وأنفسهم للسلطات السورية التي أصدرت قراراً يقضي بالعفو عن أي شخص يسلم نفسه خلال أسبوع شريطة أن لا تكون يده ملوثة بالدم ، ولم تصدروا أي بيان يدين هذه التصريحات . وبعدها سارعت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية نفسها بالاعتراف بوجود معارضة مسلحة في سورية ، وقالت إن بلادها تدعم المعارضين المسلحين بمختلف الوسائل .

 

 أقول إن الجامعة العربية بدأت تفقد مصداقيتها ليس بسبب قراراتها الظالمة ضد سورية بتعليق عضويتها فحسب بل لأنها أصبحت مجرد أداة يناط بها تنفيذ أوامر ليس من الخارج فحسب بل من دول مجلس التعاون الخليجي التي عززت مواقعها على الساحة الخارجية والعربية على حساب الجامعة ، وزادت من عدد أعضائها بالموافقة على انضمام المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية إلى دولها ، وهما بالتأكيد ليستا دولتين خليجيتين فالأولى جغرافياً تقع في بلاد الشام بينما تقع الثانية في القارة الأفريقية ، ولكن الهـدف واضح من هذا التصرف ، هو حماية أركان النظامين في المملكتين من الانهيار ، لأن سقوط أي منهما سيؤدي إلى خطر سقوط الممالك والإمارات والمشايخ في دول الخليج وهذا ما يحسبون حسابه .

 

وأخيراً وفي عودة للديمقراطية أقول إن مواطننا العربي يعيش ديمقراطيته وفق أهوائه ومصالحه ، هو لا يعرف ما هي الديمقراطية الحقيقية ولا يسعى إلى تطبيقها على أرض الواقع ، فبالأمس تعرض وفد من الفنانين والحقوقين والشباب الذي يمثل شرائح المجتمع إلى اعتداء وحشي من معارضة الخارج المتواجدين في القاهرة ، عندما أراد الوفد زيارة الجامعة العربية والإعراب عن وقوفه إلى جانب سورية في محنتها ، هل هكذا ستبدأ المعارضة بتطبيق الديمقراطية وهذه المعارضة ذاتها التي تعرضت منذ أيام قليلة للهجوم على معارضة الداخل التي كانت أيضاً في زيارة لمقر الجامعة تلبية لدعوة من الجامعة .

 

 إذا كانت هذه هي المعارضة التي تنادون بها فنحن لا نريدها فهي معارضة القوة والبطش والإرهاب ، أنتم ناقمون كما تقولون على النظام لأنه انتهك حريتكم ، فهل هذا يعطيكم الحق في الإساءة للآخرين وضربهم وقمعهم وهم مسالمون يريدون التعبير عن ديمقراطيتهم .

 

أريد أن أورد لكم بعض الأمثال عن الديمقراطية التي يفهما كل حسب حاجته والتي أعايشها من خلال احتكاكي بالكثيرين من أفراد الجاليات العربية ، وسأتحدث عن أستراليا نظراً لأني موجود فيها منذ سنين عدة   سأتحدث عن الجالية العربية لأن أمرها هو الذي يهمني ، الكثيرون يعيشون الديمقراطية ويطبقونها كما يحلو لهم أو كما يستوعبونها ، يعيشون ديمقراطية الفوضى والخداع في بلد ديمقراطي تحترم فيه ديمقراطية المواطن ، مواطنون يتخذون من الخداع والكذب وسـيلةً للحصول على المال ولو كان ذلك على حساب الآخرين ، الدولة تستضيفهم في بلادها وتمنحهم الجنسية لأسباب إنسانية ، تمنحهم بداية الإقامة وتقدم لهم المال اللازم للحياة الكريمة ، وتؤمن لهم السكن المناسب وتساعدهم في العثور على عمل ، ولكن ما هي ردة الفعل عندهم وماذا يفعلون ؟ يتصرفون بشكل مخالف للقوانين ، يحتالون على الدولة ، يرفضون العمل الذي يعرض عليهم متعللين بأنه لا يناسبهم بسبب صحتهم أو لأسباب أخرى ، في حين أنهم يعملون في الخفاء دون إبلاغ الحكومة كي لا تقطع عنهم المساعدات المالية ، يحتالون على القانون من خلال وثيقة التأمين يدفعون 200 أو 300 دولار كتأمين على أغراض المنزل من السرقة أو الحريق وتتراوح قيمة التأمين التي تدفعا الشركة المؤمنة بين 70 أو 80 ألف دولار ، ثم يتفقون مع أصدقائهم على سرقة المنزل أو حرقه للحصول على قيمة التأمين ، وهذا الحال ينطبق على حوادث السيارات وحرقها وسواها من الأمور ، لقد جاؤوا إلى أستراليا ليطبقوا الديمقراطية التي اعتادوا عليها في بلادهم ولم يعاصروا الديمقراطية الجديدة في بلاد الاغتراب ، واعتقد أن هذه الحالات الكثيرة يتم تطبيقها في العديد من الدول الغربية التي تتمتع شعوبها بالديمقراطية   ولهذا أستطيع مرة أخرى القول إن الديمقراطية مغيبة عن عقولنا لأننا أصلاً لا نريد تطبيقها على أرض الواقع .

 

ويمكنكم متابعة المزيد من المقالات والدراسات قريباً عبر الموقع الإعلامي شمس برس www.shamspress.com

 

2011-11-27
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد