ها قد مضى ثلاثة عشر شهراً على ما يحدث في سورية، الذي أسماه البعض ثورة، وأسماه آخرون: انتفاضة، مؤامرة، حراكاً... إلخ، والعديد من التسميات. لكن الصحيح فيما يحدث، والمثبت، هو أن أفق الصراع الحالي، بشكله العنيف، على الساحة السورية هو أفق مسدود، ولا يحمل أي شكل من أشكال الحل.
نعم، هناك آلاف القتلى والجرحى والمعتقلين، لكن ابتعاد الصراع عن الشكل السياسي، ودفعه بالاتجاه الطائفي والعشائري الثأري الدموي لن يقدم حلولاً، فهو يُذكِّرنا بوصية ملك العرب كُليب عندما قال: (سالم.. لا تصالح)! التي أدت إلى أربعين عاماً من حرب أجهضت مشروع دولة.
أيها الأصدقاء!
الوطن جريح ، لذا يجب إحكام العقل، فجميع الطروح الحالية لحل الأزمة، المبنية أساساً على تخوين الآخر وإلغائه، هي فاشلة، ولا تبني وطناً أو تطوره أو تمنحه الحرية، وإنما تدخله في حرب أهلية، حرب بدأت ولم تنتشر، وانتشارها مرهون بالوقت. فحين يحاول الوطنيون الشرفاء من جميع الأطراف إطفاء نار الحرب، يقوم الغرب وعملاؤه ومؤسساته بكل ما يلزم لتأجيج هذه النار، فيزودوننا بشعارات مسمومة وشخصيات ثورية مستحدثة، ويزودوننا بالسلاح، ويسوِّقون لسياسات وحلول للأزمة تهدف إلى شرذمة الوطن وتغيير شكله على الخريطة، بعد ضرب بناه التحتية وقتل مئات الألوف من مواطنيه، وأخيراً ربطه بمعاهدات استعمارية - بمضمونها.
إن قسماً هاماً من السوريين، الذين ينشطون في الشوارع، هم أساساً من تُحرِّكهم بعض
القوى الأمنية وأجهزتها وإعلامها من ناحية، وبعض القوى الغربية والعربية المعادية
ووسائل إعلامها من ناحية أخرى، إنهم يختلفون بعضهم عن بعض بكل شيء، ويتفقون على
المنطق الأعوج، وهذا يدل على وجود فراغ سياسي يحتاج إلى ملء.
وبهذه المناسبة لا بد من التذكير بخمسينيات القرن الماضي، فقد عرف شعبنا آنذاك
مستوى راقياً من الوعي السياسي فقده الآن، فحين كان زنوج الولايات المتحدة يتعرضون
للاضطهاد على يد الحكومة، ويُعدَمون على يد مجموعة (كوكلوكس كلان) الإرهابية، وحين
كان آباء حكام الخليج يهيمون على وجوههم في الصحراء لإطعام مواشيهم - قبل أن يصبحوا
دمى يحركها الغرب - كان السوريون يضربون المثل في العمل السياسي السلمي الديمقراطي،
يقولون كلمتهم عبر منابر أحزابهم، وينتخبون ممثليهم عبر صناديق الاقتراع بحرية،
حرية مستوردة من الخارج وفق مصالحه.
منذ أكثر من عام بات باب العمل السياسي مفتوحاً أمام جميع السوريين، بعد ما يزيد
على خمسين عاماً من التهميش، إذ أتيح لهم أخيراً - بجهدهم - فرصة المطالبة بحقوق
مشروعة وبقضايا مطلبية، لكن البعض يسيئون إليها- حتى الآن - باستخدامهم أساليب غير
ناضجة، لا بل بدائية. فغالبية من ينزلون إلى الشوارع يرددون عن ظهر قلب شعارات
مستوردة، وشتائم بأنغام أهازيج الملاعب الكروية. ونحن حين نضيء على هذه الناحية، لا
نعني تحميل الجاهل المسؤولية عن جهله، فالابتعاد عن السياسة أو الإبعاد عنها في
سورية ليس ظاهرة جديدة، وإنما هو أسلوب حياة.
إن خير مؤسسة تؤسس لإزالة هذا الجهل وتنظيم المواطنين السوريين للمشاركة السياسية
على نحو فعال هي الأحزاب السياسية، فالحزب بالتعريف (هو تنظيم سياسي يحمل أعضاؤه
أفكاراً وأهدافاً مشتركة، وعادة يحاول ترشيح أعضائه ليشاركوا في الحكومة أو رئاسة
الجمهورية عبر الانتخابات).
أيها القارئ!
يتم التسويق الآن - في ظل المشهد السياسي الحالي في سورية - إلى الاختيار بين
خيارين اثنين لا ثالث لهما:
- إما أن تدعم شكلاً متفرداً بالسلطة، لا يخدم إلا النخبة من الأثرياء وأصحاب
الملايين والفاسدين وغيرهم.
- أو أن تدعم معارضة مرتبطة بالإمبريالية الأمريكية، التي تستخدم كلام حقٍّ تريد به
باطلاً.
خروجك من هذه الثنائية هو بالبحث عن حزب يمثلك، تقول كلمتك ضمن صفوفه، فينقل هذه
الكلمة إلى الملأ.
فماذا تنتظر؟!
النور