news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
البصمة الوراثية _DNA_ وقضايا الاستعراف والابوة والجرائم الجنسية... بقلم : د.زاهر حمدو حجو
syria-news image

ما كان بالأمس ضرباً من خيال أو إسقاطاً لأحلام طوباوية بات اليوم حقيقة ملموسة وبات الجهل ببعض التقنيات الحديثة نوعا من أمية جديدة ...


وذلك في ظل عالم متسارع الخطى قطاره العلمي لا يعرف التوقف في المحطات الا فيما ندر ...

شهد منتصف القرن المنصرم ولادة علم البصمة الوراثية (DNA) والذي وبحق فك شيفرة كثير الاسرار والتي ظن البعض انها ستبقى طي الكتمان وسيطويها نسيان عدم المقدرة ...

 

يعود الفضل في اكتشاف (DNA)لعالم الوراثة البريطانية (اليس جيفري) وهي تتحد وراثيا ويمكن ان ترتبط بأعضاء اخرين من نفس العائلة(جزئيا) وبعكس الزمر الدموية التي تعتمد على الاستبعاد فان نوعية اختبار البصمة الوراثية كبير بالمعنى الاحصائي لدرجة تفوق عدد سكان الارض وتاليا فان نوعيتها موثوقة لاي فرد ...

 

جزيئة الـ DNA لها سلسلتان من السكر والفوسفات مرتبطتان بروابط مشتركة مؤلفة من أربع اسس وبشكل مشابهة لدرجات السلم الطويل المجدول الذي يشكل حلزونات DNA ويستخدم 10% من الجزئ في الشيفرة الوراثية اما الباقي فصامت

وهناك تعاقب معين في الاسس وهذا التعاقب ثابت بالنسبة لشخص معين وينتقل مثل الزمر الدموية وفقط التوائم ذات البيضة الواحدة لها نفس التعاقب اما فيما عدا ذلك ففرصة ان يشترك شخصان غير قريبين بنفس التعاقب هي واحد من مليون بليون وحتى بين الاخوة تبلغ النسبة واحد من عشرة الاف مليون..؟؟)

ولكن حتى يكون هذا الاختبار ذي جدوى فيجب توافر شيء للمقارنة ،فمثلا في حالة الاعتداءات الجنسية يقارن السائل المنوي في مهبل ضحايا الاغتصاب مع DNA كريات بيض المشتبه ولا حاجة هنا لمقارنة مني مع مني وذلك لأن جميع DNA في جسد فرد ما هي متطابقة بالضرورة ...

اما العينات المطلوبة للاختبار فهي الدم والنسج الحية وحتى في حال الجثث فان ذلك ممكن بشرط عدم حصول تعفن ملحوظ كاف لتحطم الكروماتين النووي

ومن الجيد استخدام الاشعار وذلك بنتفها للحصول على المادة الخلوية من بصلات الجذور ..اما في حال تطلب الامر اخذ عينات لعدد كبير من الناس فيلزم اخذ مسحات فموية تنتزع فيها خلايا منواة ...

 

في اطار الجرائم او الاعتداءات الجنسية فمعظمنا يذكر الفضيحة المجلجلة للرئيس الامريكي الاسبق (بيل كلينتون) مع متدربته السابقة (مونيكا لوينسكي) والتي بفضل تقنية الDNA لم يجد (كلينتون )مخرجا من الاعتراف ومن ثم الاعتذار عن وقوعه بالمحظور ...

وكذلك فان قضية مقتل الفنانة اللبنانية (سوزان تميم ) قد تدخل فيها الطب الشرعي وحضر DNA الذي اثبت وجود تطابق بين عينة من المشتبه به (السكري) وعينة مأخوذة من ملابسها ليلة مقتلها ...

ومنذ ايام قليلة خرج رجل في احد الولايات الامريكية من السجن بعد ان قضى ما يربو عن 34 عاما في السجن ظلما بعد اتهامه باغتصاب وقتل سيدة ليثبت الDNA اخيرا عدم وجود التطابق بين العينات المؤخوذة من مسرح الجريمة مع عينة من السجين المظلوم (ياما في السجن مظاليم)...

العالم صاحب براءة الاختراع (جيفري ) استدعي نفسه في عام 1988 لاجراء الاختبار على مشتبه به اعترف(واثناء التوسع بالتحقيق وحتى لا يظن احد ان هذه الطريقة من التحقيق حكر على احد) بقيامه باغتصاب وقتل فتاتين ولتثبت العينة عدم تطابق مع العينة المؤخوذة من مهبلي الضحيتين وعلى اثرها تبدأ واحدة من اكبر المطاردات في التاريخ بعد ان امرت النيابة بأخذ عينات (وقد نقلت وقائع المحاكمة على الهواء مباشرة ) من افراد القرية التي حدثت فيها الجريمة والقرى المجاورة ومن ثم يتم اكتشاف الجاني وتبرئة المتهم ...

على صعيد الاستعراف ففائدة هذا الاختبار لا تقدر بثمن (كذلك بشرط وجود عينات للمقارنة) كما في حال الكوارث الكبرى حيث يستلزم التعرف على هوية الضحايا وقد تم استخدامه بشكل كبير في حادث تحطم الطائرة المصرية بوينغ فوق البحر وكذلك في اعتداءات ايلول في الولايات المتحدة وغيرها ...

كما ان معظمنا يذكر الصور الاولى لاعتقال الرئيس العراقي الراحل (صدام حسين) وكيف ظهر احد الاطباء الامريكين وهو يبدو كأنه يفحص لوزه ولكن الحقيقة انه كان يأخذ عينة لفحص الDNA واجراء المقارنة

وقد سئل احد الاطباء الشرعيين الكبار في الولايات المتحدة على شاشة التلفاز عن امكانية حدوث التباس فيما حال كان (صدام حسين ) قد استسخ نفسه ابتسم الطبيب المذكور وقال ان ذلك ممكن ولكن اتوقع نسخة اقل دموية ...

في حالات اختبار الابوة فهناك استخدام شرعي واسع للبصمة (بالطبع ليس في بلدنا) حيث يمكن تحديد الهوية بشكل ايجابي و تعد هذه القضايا الزاد اليومي لمخابر الDNA والعاملين فيها ..

ففي الغرب تكثر العلاقات الجنسية غير المشروعة وما ينتج عنها من اختلاط الحابل بالنابل ويكون لزاما في بعض الاحيان اجراء الاختبار لحفظ الحقوق ...

في بلدنا فان الاختبار عموما وضمن هذا الاطار يطبق على نطاق محدود للغاية نظرا لعوامل عدة في مقدمتها نوعية العلاقات والضوابط الاخلاقية التي مازالت تتحكم فيها (وان كانت بدأت تنهار ) والتي تجعل الشخص يحسب الف حساب قبل طلب اجراء مثل هذا الاجراء

وكذلك فان القضاء يتحفظ كثيرا في مثل هذه الحالات في ظل عدم وجود مادة محددة تشرعن ذلك وكذلك فان للاختبار تكلفة مرتفعة ويستلزم وقتا غير قصير ..

وحتى الاستفادة منه في حال الجرائم (في بلدنا طبعا) محدود للغاية ولم يصل الطب الشرعي لمرحلة يعتمد عليه بشكل موثق نظرا لوجود مخبرين فقط واحد يتبع لوزارة الداخلية والاخر لجامعه دمشق

وكذلك فان عدم وجود قاعدة بيانات (للمقارنة ) تزيد من صعوبة الامر كما ان بعض الاطباء الشرعيين يجهل كيفية اخذ العينات مدرسيا وطريقة حفظها اضف لذلك انه وفي بعض الحالات وبعد ان يتم ارسالها قد تلاقي مصير (خرج ولم يعد)...

بين فترة واخرى تطلب استشارتي في هذا المضمار : جائني احد المعارف وهو بحالة يرثى لها وبعد ان اكتشف خيانة زوجته بأم عينه والمعضلة المهمة انه اب (على الاقل حتى الان ) لثلاثة اطفال وقد بات يتحسس ملامح عشيق زوجته في وجوه اطفاله (سيما انه يعاني اصلا مشاكل بالانجاب) وقد امست حياته جحيما لا يطاق واقترب من ملامسة حالة الهذيان ...

كذلك استشارني زميل في حالة رجل واب لخمسة اطفال وقد اكتشف زميلي وبالصدفة استحالة انجاب هذا الشخص وطلب مني النصح والرشد ..اضافة لعديد الحالات التي اعترضتني في مجال العمل ..

مقاربة هذا الموضوع في غاية الصعوبة والخيارات تبدو قاسية جدا ففي الحالة الاولى ومن وجهة نظري فان اجراء الاختبار لقطع الشك باليقين شر لابد منه لان نتائج الصمت والترقب اسوأ بكثير من معرفة الحقيقة وحتى وان كانت نتائجها بطعم العلقم ...

 

اما في الحالة الثانية فالموضوع قد يختلف قليلا ويحتاج لدراسة خاصة لان الشك غير موجود لا في مخيلة هذا الزوج المسكين ولا في نتائج الاختبار الذي اجرائه هو لزوم ما لا يلزم

على اية حال وبصورة عامة فأتمنى من اي طبيب الا يتقمص شخصية رجل الدين ويحتكم الى علمه فقط وكذلك فأنني ارفض بالمطلق مكافأة المذنب والجاني بالسكوت عن جريمته والقبول بسياسة الامر الواقع

كذلك فان هذه الزانية ولن (استفيض بوصفها ) عليها على الاقل التمتع بالحدود الدنيا من الثقافة الجنسية التي تتيح تجنب انجاب طفل عديم الهوية والانتماء ...

مما لاشك فيه ان الDNA وعلى صغر حجمه يحمل سرا عظيما من اسرار الحياة ولكن الصندوق الاسود للسر الاساسي للحياة مازال مغلقا ولم ولن يطلع عليه احد الا خالق هذه االسماء الذي وحده يعلم كل الاسرار والاحاجي ...

كثيرا ما ينتابني شعور ان الطب الشرعي في بلدنا يحتاج هو الاخر وقبل غيره لاجراء اختبار DNA عليه ولكن من نوع خاص لتحديد مرجعيته التي تضيع بالغالب بين وزارات ثلاث (الصحة ،العدل، الداخلية ) ومع هذا الضياع تضيع حقوق كثير من المواطنين .

2011-01-18
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد