news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
طبيب في مواجهة طبيب... بقلم : د.زاهر حمدو حجو

لعلها من اصعب المهام التي تعترض مسيرة الطبيب الشرعي ضمن مسيرته المهنية (المحفوفة اصلا بكم هائل من المخاطر ) مشاركته بخبرة طبية منوط بها اعطاء الرأي بوجود اهمال او تقصير ارتكبه طبيب زميل ....


صعوبة الموقف تختصر في الاحراج الذي قد يقع في  حال خلصت الخبرة الى الاقرار بوجود تقصير او خطأ ما ارتكبه الطبيب المتهم  وما قد يلي ذلك من ارهاصات وتداعيات وشد وجذب ومن ثم اخذ القضية بمجملها على منحى شخصي وتاليا تحميلها ما لا تحتمل واخراحها من اطارها الطبيعي:العلمي والمهني ....

_كانت هناك مطالبة واسعة من الاطباء بإعفائهم من المسؤولية عن الاخطاء التي تقع اثناء ممارستهم للمهنة مستندين الى الظروف الخاصة بمهنة الطب ومدعمين رأيهم بالشهادة التي تمنحها الدولة للطبيب وترخص له بموجبها مزاولة المهنة كاعتراف ضمني وعلني بكفاءة هذا الطبيب وحيازته الخبرة التي تخوله ممارسة المهنة تشخيصا وعلاجا....الا ان القانون لم يأخذ بذلك وقرر  المساواة مع غيرهم من المواطنين ...

 

ولكن حتى تتم المساءلة يجب تحقق شرطين :

1_لابد من ثبوت الخطأ بشكل جازم

2_ان يكون الطبيب خالف احد المبادئ الطبية الثابتة والقواعد العلمية الرئيسية التي لا خلاف عليها في العقيدة الطبية ..

وعموما فان اثبات خطأ الطبيب يتطلب خبرة طبية من ذوي الاختصاص لان القاضي لا يستطيع تكوين قناعة بمعزل عن اراء الخبراء بما يعني ان وقوع الفعل من عدمه يجوز اثباته كأي واقعة مادية اخرى بشهادات الشهود وأقوال اطراف الخصومة  في حين ان اثبات كون الفعل يرقى لدرجة الخطأ فأن الخبرة الطبية هي وحدها من يحدد ذلك ....

 

ومن المفيد التذكير ببعض المواد القانونية ذات الصلة :

_الاخطاء التي يقع بها الطبيب وتستدعي مساءلته جزائيا تقع تحت طائلة المادة 551  من قانون العقوبات الخاصة بجرائم الايذاء غير المقصود ..

_اذا ادى الايذاء غير المقصود الى الموت عوقب الطبيب بمقتضى المادة 550 من القانون ذاته

_المادة 590 :يعاقب على التسبب بالإمراض  نتيجة الاهمال وقلة الاحتراز والرعونة

كما تجدر الاشارة الى ان المادة 185  من قانون العقوبات تنص على ان العمليات الجراحية والعلاجية لا تعد جريمة ويجيزها القانون  في حال :تحقيقها اصول الفن _مقرونة برضى المريض او وكيله الشرعي _في حالات الضرورة القصوى .....

 

كما نصت المادة 164  من القانون المدني على ان كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض ولكن بشروط ثلاثة :1_وقوع الخطأ 2_حصول الضرر 3_العلاقة السببية بين الخطأ والضرر .........

وبعد هذه الجولة السريعة في رحاب القانون وبمعزل عن مواده وتفاصيلها فان حقيقة اساسية يجب ان لا تغيب عن الاذهان وتظل حاضرة :المخطئ يجب ان يحاسب فيما العواطف مكانها القلب ..

 

كما ان الطبيب المكلف بالخبرة وابداء الرأي العلمي يجب ان يعي تماما انه اقسم على كتاب مقدس وكان قبل ذلك اقسم قسما عظيما هو القسم الطبي ...وتبعا لذلك يتوجب عليه :ان يضع مشاعره في ثلاجة وان يتناسى لبعض الوقت (وهو عمر الخبرة الطبية ) كل علاقة قد تربطه بأحد اطراف الخصومة وان يكون استناده حصرا الى علمه وضميره ...

ليس المطلوب منه ان يظهر بدور البطل فيدين زميل له دون وجه حق وبنفس الوقت يتحتم عليه ان لا يحابي  هذا الزميل على حساب اسرة تضع كل ثقتها به وبالقانون الذي يجب ان تكون له كلمة الفصل ...

 

استطيع ان اؤكد لكم جازما انه لا وجود لطبيب على وجه المعمورة يتقصد ايذاء مريضه فإذا تجاهلنا العامل الانساني والاخلاقي فان سمعته ستكون على المحك وهي سبيله  للمجد والشهرة ....

 

بين فترة واخرى يتم استدعائي لحضور هذا النوع من الخبرات وبصراحة مطلقة فأن مشاعر مختلفة تنتابني فمن جهة اكون ممتننا لثقة القضاء المختص بتكليفي في مثل هذه القضايا الحساسة ومن جهة اخرى فأن وجود اهمال او خطأ طبي  سيجعلني اشعر بالاسف العميق لانني سأضطر حتما لإدانة زميل لي ووجود الخطأ اصلا مدعاة للقلق والانزعاج ..

 

في احدى الخبرات التي كانت تحتاج بعض الوقت لدراسة وافية لها طلبت الاستمهال لليوم التالي  حتى اصل لقرار نهائي وقد كانت نتجيته وجود اهمال طبي جسيم  تسبب بوفاة طفل صغير ...

في مساء ذلك اليوم الذي سبق تقديمي وتسليمي لنتيجة الخبرة (بالتعاون مع اعضائها ) انهالت علي الاتصالات من كثير من الزملاء  تطالبني بالانحياز للطبيب وكانت احدى هذه الاتصالات من مسؤول نقابي محور كلامه وملخص حديثه :انه قد يكون حصل شيء من الخطأ ولكن ما جرى قد جرى ولا يجب الالتفات للوراء ...كان ردي حاسما وسريعا :صحيح ان ما جرى قد جرى ولكن الاهم ان لا نساهم بصمتنا ومرائاتنا للزميل بحدوث امر مشابه مستقبلا  ،كما ان سياسة الهرب الى الامام ليست الحل انما هي المشكلة :ختمت حديثي مع ذلك الصديق بعبارة بسيطة :نختلف كثيرا في حساباتنا فأنت تستند الى حساب الاصوات وانا استند الى حساب الضمير ....

 

قدمت تقريري ومن ثم ذهبت للسجن للتوصية بالطبيب المتهم الذي كان قيد التوقيف  وكان يعاني بعض المشاكل الصحية ....

مازحني احد الاصدقاء مع بعض الجدية  بقوله :(تقتل القتيل وتمشي في جنازته )...

شعرت حينها بوجود نوع من الضعف الثقافي في اذهان البعض فالتقرير الطبي شيء وذهابي للتوصية بهذا الزميل (العزيز) شيء اخر ولا صلة او ترابط بين الموقفين مطلقا حيث كل منهما له اسبابه المختلفة ...

 

فالزميل قد اخطأ وثبتنا ذلك بتقريرنا ولكن قبل وبعد ذلك هو زميل مهنة ...

بنفس الوقت الذي اطالب فيه الزملاء اعضاء الخبرات الطبية بالحيادية اناشد الاهل عدم اعطاء الاذان لأشخاص مغرضة لا هم لهم سوى البلبلة واثارة المشاكل وتاليا الاثارة ...وعليهم ان يعلموا ان اي عمل جراحي خاصة له محاذير واختلاطات  وعند حصول الاخفاق (لا قدر الله) لا يجب ان يكون الطبيب دوما في قفص الاتهام  دون ادلة واضحة بل يجب التدقيق بالموضوع واستشارة ذوي الخبرة ....

 

قال لي احد العارفين ببواطن الامور :انني حتما واستنادا لمواقفي (المتشددة في نظره ) في هذا الموضوع سأكسب عداء كثير من الزملاء وسيكون حصاد ذلك هزيمة نكراء في اي انتخابات مقبلة ...

في الحقيقة (ورغم انني اكره الهزيمة ولا استسيغها ) فان ذلك ليس مهما على الاطلاق ...فأن تخسر انتخابات وتربح نفسك  هو الانتصار بحد ذاته ....

2011-02-07
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد