news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
الحوار تحت سقف الوطن لتعزيز اللحمة الوطنية لأبناء الشعب السوري... بقلم : د. جميل بغدادي

تتعرض الكثير من دول العالم في بعض الأحيان إلى هزات سياسية واقتصادية بسبب أزمات وظروف قد تكون ناجمة عن انهيار اقتصادي أو عدم توافق سياسي بين الفرقاء بسبب المصالح التي تتقاطع في كثير من الأحيان بين الأحزاب السياسية التي قد يكون بعضها مهمشاً عن ممارسة حقه السياسي بالشكل المطلوب ، نظراً لوجود الحزب الحاكم في هذه الدول والذي ينفرد بالحكم انطلاقاً من كونه الحزب الأقوى والأكثر استقطاباً لأبناء الشعب ، فيبسط بالتالي سيطرته على الحكومة والبرلمان .


 ومن هنا نشاهد تخبطاً سياسياً في بعض هذه الدول وقد يتحول هذا التخبط السياسي إلى خلق حالة من الفوضى يؤدي إلى ثورة ضد سياسة البلد ، هذه الثورات التي تكون عادة مختلفة عن بعضها البعض باختلاف أسبابها ، ولكنها بالنتيجة تهدف إلى الصالح العام بما يعزز استقرار البلد وأمنه وسلامته ، وفي المجتمعات الأوروبية نشاهد طيفين سياسيين يكملان بعضهما البعض فهناك حكومة وهناك حكومة ظل أي أن لكل وزير في الحكومة وزير مماثل في حكومة الظل ، وتكون حكومة الظل ندة للحكومة الشرعية تترصد أخبارها وتحاول الإيقاع بأعضائها من خلال الكشف عن الأخطاء الذين يكونون عرضة لها ، وتعمد إلى تقديم الحلول من أجل الحصول على دعم الرأي العام لتصبح في المستقبل الحكومة الشرعية ، وتتحول الحكومة الشـرعية بالمقابل إلى حكومة ظل . ومن هنا نجد أن الغاية من الحكومة وحكومة الظل هي المواطن واستقرار البلاد وتحقيق التقدم والرفاهية ورفع اسم الوطن لأن ذلك ينعكس إيجابياً على المواطن الذي يكون الهدف الأسمى للعمل الحكومي الرسمي .

 

إذا هناك متابعة دؤوبة ورقابة مستمرة من حكومة الظل التي تعتبر سلطة كبيرة تمارس حقها في النقد البناء وفي توجيه اللوم للخاطئ وصولاً إلى تنفيذ السياسات الداخلية والخارجية ، فالخلاف بين الفريقين يكون دائماً على الخطط الداخلية وما يتعلق منها بالبنى الداخلية على وجه الخصوص ، أما السياسة الخارجية فتكون واحدة لجميع الفرقاء فهي خط أحمر لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال ، وكثيراً ما نسمع من المعارضة أنها ستعيد وجهة نظرها في موقف بلادها من دولة ما أو عدد من الدول ، أو اتفاقية تم توقيعها ولكنها عندما تصبح في السلطة أي تصبح الحكومة المنتخبة تسحب وعودها وتتابع مسيرة سلفها .

 

 ومن هنا نجد أن المعارضة في هذه الدولة أو تلك ليست معارضة تعتمد لغة القوة أو التهديد كما نراها مع مطلع العام في عدد من الدول العربية ، بل هي معارضة سلمية تستمد قوتها من الشعب نفسه ، ولا تستقوي بأي شكل من الأشكال بالدول الكبرى لتساعدها في القضاء على الأنظمة كما بدأنا نجد ملامحها في بعض الثورات التي شهدتها الدول العربية بما عرف بربيع الثورات العربية ، ولعل استنجاد المعارضة الليبية بالخارج ومشاركة الحلف الأطلسي في النزاع الدائر بين الحكم والمعارضة سيدفع ثمنه الأبرياء من أبناء الشعب فتدمير البنية التحتية وقتل الأبرياء يتحمل مسؤوليته النظام والمعارضة في وقت واحد ، ولهذا يجب أن تقوم المعارضة بدورها المناط كما هو في الدول الأوروبية أي أن تكون منافساً للحكومة من خلال الندية وكشف الحقائق وتعرية الخاطئين والكشف عن مكامن الفساد ، وعندها تكون المعارضة أكثر قوة من اعتمادها على التظاهر وفي هذه الحالة يكون الجميع على مسافة واحدة ، فليس هناك من أحد فوق القانون ويجب أن يحاسب الجميع عن الأخطاء المرتكبة أو الفساد الذي انتهجه مسلكاً له في إطار عمله .

 

لقد أردت أن يكون هذا الكلام مدخلاً للحديث عن الأزمة التي تمر بها سورية ، فهي تعرضت إلى محنة لم نعهدها من قبل ، وجميع أفراد الشعب بمختلف أطيافهم تواقون إلى رؤية الوطن سليماً قوياً أمناً يسود فيه العدل القائم على المحبة والتعاون والإخاء ، وطن يحلم الجميع أن يعود كما كان قبلةً ومثلاً يحتذى به لدى الآخرين ، بلد يتغنى بالعيش المشترك الذي يجمع أفراده من مسلمين ومسيحيين ، وقد فشلت المخططات التي كانت تهدف إلى العزف على الوتر الطائفي لأن الشعب السوري لا يمكن أن يقع في مثل هذا الفخ ، فمطالب المعارضة تنسجم مع رغبات الموالاة وكلها تندرج في إطار الإصلاح والقضاء على الفساد ، والأنظار اليوم تتجه إلى مؤتمر الحوار التشاوري الذي سينعقد في العاشر من الشهر الحالي ولمدة يومين ، وإن انعقاده يشكل اللبنى الأولى في تجاوز المحنة ، والجميع على أمل بأن يتحقق التوافق بين النظام والمعارضة بما ينسحب خيراً على الوطن والمواطن ، فاهتمام الجميع يتجه اليوم حول هذا المؤتمر التصالحي لأنه سيضع المدماك الأول في المستقبل الجديد للبلاد ، ويجب أن يرتقي الجميع في هذا الاجتماع إلى مستوى المسؤولية ، ويجب أن نضع الأخطاء التي تم ارتكابها في الفترة السابقة في المقام الثاني ، لأن الأولوية الأولى في هذه المرحلة الهامة هي احتواء الأزمة ووضع الخطوط العريضة لسورية الأكثر قوةً ومنعةً ومحبةً وتعاضداً بين جميع الفرقاء .

 

فالمعارضة هم جزء أساسي من المجتمع لا يمكن تجاهلهم مثلهم مثل الموالاة ولا يختلفون معهم إلا بوجهات نظر في معالجة بعض الأمور السياسية التي يطالبون بها والتي يجب أن تكون موضع تقدير من الجميع ، وإن الخطوط العريضة المتفق عليها في هذا المؤتمر بدايةً جميعها تصب في إطار الإصلاح وهي بالتالي تحقق في حال نجاح المؤتمر وتوصل الفرقاء إلى صيغة مناسبة المصالحة الوطنية وتعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل 15 آذار 2011 يوم بدء الاحتجاجات الجماهيرية في سورية . وإن الدعوة التي تم توجيهها من قبل هيئة الحوار الوطني لأقطاب المعارضة للمشاركة في المؤتمر الذي سينعقد خلال يومين في فندق صحارى يشير إلى أن الجميع متفقون لإيجاد حلول عاجلة وسريعة لاحتواء الأزمة تمهيداً لتطبيق الإصلاحات وترجمة القانونين والمراسيم على أرض الواقع . وهذا ما نلمسه من البنود الواردة في دعوة مؤتمر الحوار الوطني والتي تضمنت :

1- دور الحوار الوطني في المعالجة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة ، والآفاق المستقبلية .

2- تعديل بعض مواد الدستور بما في ذلك المادة الثامنة منه ، لعرضها على أول جلسة لمجلس الشعب ، وعدم استبعاد وضع دستور جديد للبلاد وفق آليات يتفق عليها .

3- مناقشة مشاريع قانون الأحزاب ، وقانون الانتخابات ، وقانون الإعلام .

 

إنها دعوة مهمة من قبل هيئة الحوار الوطني لأقطاب المعارضة في الداخل والخارج لفتـح صفحة جديدة ، ونأمل أن تتم المناقشة في جو من الألفة والمحبة ، وأن يتم بث جلساتها بشكل مباشر على الهواء حتى يتابع المواطنون المناقشات التي يتوجب أن ترتقي إلى مستوى المسؤولية ، لنضع الأخطاء جانباً ولنتجاوز المحنة بمحبة ، يجب تأجيل مناقشة السلبيات التي حدثت في الفترة الأخيرة سواءً من المعارضة أو النظام إلى وقت آخر لأن سلامة الوطن فوق أي اعتبار . ونتمنى انسحاب الجيش إلى مواقعه من كافة المدن السورية ، ونتمنى من قادة المعارضة الدعوة إلى وقف التظاهرات لأن تحقيق هذين المطلبين سيساهمان في القضاء على الأزمة . ويجب أن لا يكتفي كل فريق بتحميل الفريق الآخر المسؤولية فيما وصلت إليه البلاد وإنما العمل الجاد من خلال الحوار البناء الهادئ لإنجاح المؤتمر . نحن تواقون إلى إيجاد الحلول الجذرية وليس الولوج في منافذ وأبواب مغلقة .

 

إن هذا المؤتمر ينعقد إنطلاقاً من الوعود التي تعهد بها الرئيس بشار الأسد والتي نجد فيها استجابةً لمطالب الشعب في إحداث التغير ، لقد تعهد في خطابه الأخير الذي ألقاه في جامعة دمشق بترجمة الأفعال إلى أقوال خلال فترة أقصاها نهاية العام الحالي ، وهي فترة قياسية لإحداث تغيرات جذرية في مجال الإصلاح السياسي والإداري سواء فيما يتعلق بتغير بعض مواد الدستور وفي مقدمتها المادة الثامنة الخاصة بحزب البعث أو تغيير الدستور جميعه ، ومناقشة قانون الانتخابات والإعلام والإدارة المحلية . ولهذا فإن أنظار الجميع تتجه إلى هذا المؤتمر والتمنيات من أفراد الشعب جميعاً التوصل إلى حلول جذرية لإنهاء حالة الوقيعة بين أفراد الشعب وتجاوز المحنة التي نعاني منها جميعاً ، وهذا لن يتحقق إلا بمشاركة أقطاب المعارضة في الداخل والخارج ، لأن مشاركتهم تعني أنهم على قدر المسؤولية وأن هدفهم هو الصالح العام وتحقيق اللحمة الوطنية لإعادة الأمور إلى ما كانت في وطننا الحبيب ، أما عدم مشاركتهم بأي حجج وذرائع فهذا يعني أن لديهم أجندة خارجية . فنحن جميعاً تواقون للمصالحة وجميعنا يدرك أن هناك أخطاء تم ارتكابها من المعارضة والنظام ، ولكن الآن ليس وقت الحساب لأن رؤية سورية معافاة هو الهدف الأسمى وبعدها يمكن مناقشة بقية الأمور لأن أولى خطوات الإصلاح تبدأ بخطوة وقد دق المدماك الأول في هذا المجال من خلال مؤتمر الحوار ، ولنشارك في هذا المؤتمر في جو مفعم بالمحبة ، لأن الجلوس على طاولة الحوار سيساهم في إذابة الجليد والمناقشة وسماع الرأي الآخر كفيل بحل الأزمة .

2011-07-10
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد