news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
مادا تريدون من سورية وما هو الطريق الذي تتوجه نحوه... بقلم : د. جميل بغدادي

تزداد الضغوط الاقتصادية والسياسية يوماً بعد يوم على سورية ، وتتكشف الحقائق وتتضح المواقف الدولية حيال الصراع الدائر في المنطقة العربية على وجه العموم وفي سورية على وجه الخصوص و  لقد تحين الكثيرون الفرصة المناسبة للإيقاع بسورية من أجل جرها إلى حرب أهلية وإبعادها عن ثوابتها القومية حتى يكون الشعب السوري الخاسر الأكبر  في هذه المعادلة التي يراد منها تمزيق الوطن العربي


ندرك جميعاً أن نشوب الحروب الأهلية لن تكون إلا خدمةً لمصالح دول خارجية تريد أن ترى عالمنا العربي هشاً ضعيفاً تحيط به الأزمات من كل صوب وناحية خدمة لإسرائيل المستفيد الوحيد من حالة التمزق والضياع التي تعصف بأقطارنا العربية ، وقد تمكنت بعض الدول خدمة لمصالحها من تأجيج التوترات في عدد من دول المنطقة مستغلة غليان الشارع العربي في مصر في أعقاب الثورة التونسية ومحاولة نقلها إلى دول عربية أخرى من أجل تحقيق مأربها وأهدافها المتمثلة في تمزيق الصف العربي ، وقد تمكنت بعض الدول من مواجهة ما يخطط لها وخاصة سورية التي قلبت الأوراق جميعها رأساً على عقب بسبب تماسك شعبها ووعيه والتزامه بالدفاع عن امن الوطن ، لقد أراد الغرب لسورية أن تكون كسواها من الدول ، بأن يحدث التغيير سريعاً كما كان الحال في تونس والعراق عقاباً لنهجها السياسي وتمسكها بمبادئها الثابتة في مقارعة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي ومناصرتها لقضايا الشعوب العادلة وفي مقدمتها حق الشعوب في مقاومة الاحتلال  .

 

 وقد رأى الغرب في ظهور ثورات الربيع العربي فرصة نادرة لمحاولة الولوج في العمق السوري ومحاولة التغلغل بين أطياف الشعب من أجل إيقاع الفتنة ونشر الفوضى والدمار ترجمة لرسالة واضحة المعالم مفادها يجب على الدول العربية الخضوع للإملاءات والسياسات الخارجية وإلا فإن الدول ستتحمل نتائج رفضها .

 

ولعل من مفارقات القرن الحادي والعشرين أن الدول التي تدعي الحرية والديمقراطية وتنادي بهما معلنةً في الوقت ذاته تمسكها بحقوق الإنسان ، انتهكت وما تزال تنتهك حقوق الإنسان وفي أكثر من مجال ، إنها تنادي بالحرية والديمقراطية ضمن مفهومها الخاص ، تدعو إلى تطبيقه لدى الدول التي تشهد ثورات الربيع العربي وسواها من الدول ، وتتجنب الالتزام به عندما تمارس هي عملاً عسكرياً ضد دولة من الدول تحت أي ذريعة كانت .

 

 إنها تدين بعض الدول متهمةً إياهم بانتهاك حقوق الإنسان وقمع الحريات ، في حين تتجنب الحديث عن دول أخرى تمارس الأسلوب نفسه . إسرائيل مثلاً تنتهك حقوق الإنسان كل يوم بتطبيق أشد الممارسات التعسفية بحق المواطنين الفلسطينيين العزل ، حيث تقتلعهم من أراضيهم وتدمر منازلهم وتزجهم في السجون دون أن يتحرك المجتمع الدولي ، دون أن يعقد أي اجتماعات طارئة لمناقشة هذه الانتهاكات ، في حين نجده على النقيض تماماً يعقد الجلسات الطارئة بحماسة لا مثيل لها ليدين ويندد ويشجب أو يصدر قرارات ضد بعض الدول المستهدفة والتي تتصدى لأعمال عنف تشهدها بلادها ، في حين نجدها في الوقت نفسه تتخذ موقفاً مغايراً من بعض الدول التي تستخدم القوة ذاتها في التصدي لأعمال العنف ، إن هذه الدول تصف من يقف ضد مصالحها بأنه يمارس إرهاباً ضد سلامة شعبه وأنه ينتهك حقوق الإنسان ، في حين تصف حلفائها بأنهم يمارسون حقهم الشرعي في مقاومة الإرهاب ، ولا أريد هنا أن أدافع عن طرف أو أدين طرفاً آخر ولكن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أعلنت مؤخراً أن بلادها تقف إلى جانب تركيا في مواجهة الإرهاب الذي تتعرض له من قبل حزب العمل الكردستاني وأنها تؤيد خطواتها الرامية إلى القضاء على الإرهاب .  

 

إن هذا التناقض في التعامل مع الشعوب ليؤكد تماماً بأن ازدواجية المعايير أصبحت السمة الأبرز في التعامل مع قضايا الشعوب في القرن الحادي والعشرين ، فالقوي يفرض شروطه على الضعيف بلا خجل ولا استحياء  والمجتمع الدولي يستجيب لهذه الرغبات ، حيث أثبت عجزه وفشله في تطبيق القرارات والقوانين التي تم اتخاذها على مر أكثر من ست عقود بحق إسرائيل . إن أمريكا والدول الأوروبية تتحدث بلغة بعيدة كل البعد عن المنطق ، لغة يراد منها إيصال رسالة من ليس معنا فهو ضدنا ، وهي الرسالة التي سبق للرئيس الأمريكي جورج بوش أن أطلقها بعد أحداث 11 أيلول 2000 . وأعتقد ويعتقد معي الكثيرون بأن الأمم المتحدة فقدت الكثير من مصداقيتها والغرض الأساسي من تشكيلها لأنها انساقت رغماً عنها وراء مجموعة الدول القوية التي هيمنت عليها وفي مقدمتها الولايات المتحدة مستغلة انهيار الاتحاد السوفيتي السابق .

 

تتحدث هذه الدول بلهجة التحدي والوعيد ، نراها اليوم تهدد بعقوبات اقتصادية تطال المسؤولين السياسيين في هذه الدولة أو تلك ، تلوح بالفصل السابع من الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة العسكرية ، وهو ما طبقته أثناء احتلالها للعراق ، وهو ما يطبق اليوم في ليبيا ويستهدف المدنيين الليبيين والبنية التحتية ، فأين هم من حقوق الإنسان ، ومن ثم نجد الدول بعينها تصعد لهجتها التهديدية بالملفات النووية المزعومة لدى هذه الدولة أو تلك لأنها تجد أن وجود القوة النووية لدى هذه الدولة أو تلك يشكل عامل عدم استقرار في المنطقة أو خطر يهدد مصالحها ، في حين أننا لم نسمع يوماً بأن أحداً من هذه الدول ذاتها طالب بمحاسبة إسرائيل التي تمتلك ترسانة من الأسلحة النووية هي من خمس دول الأقوى في العالم بهذا المجال ، أو إحالة ملفها النووي إلى وكالة الطاقة الذرية وحتى إخضاعها للرقابة الدولية من قبل مفتشي الوكالة كما يطبق على بقية دول العالم  لماذا لا ينادي العالم بمحاسبة القادة الإسرائيليين لارتكابهم المجازر بحق الإنسانية ؟ لماذا لا تجمد أموال المسؤولين هناك ويمنعون من السفر ؟ لماذا لم تشكل محكمة جنائية لإدانة الفظائع التي تم ارتكابها ومنذ عشرات السنين بدم بارد ؟ لماذا هذا السلوك العدائي حيال الدول العربية ؟ .  

 

لقد تم احتلال العراق وتشريد شعبه وقتل وجرح عشرات الآلاف من أبنائه بحجة وجود أسلحة الدمار الشامل   في حين أثبتت الوقائع كما بررت الإدارة الأمريكية أن هذه المعلومات كانت نتيجة تقرير استخباراتي خاطئ   لقد تم احتلال العراق من أجل ثرواته وموقعه وليس لأي أسباب أخرى ، لم نسمع أية إدانة أو نشاهد أية محاكمة لمن كان سبباً في هذا الخطأ القاتل الذي طال شعباً بأكمله ودمر ثروات العراق ، لماذا يغمض العالم أعينه ويسد أذانه في الانتهاكات التي تم ارتكابها وما تزال تمارس يومياً في غوانتنامو ، لماذا لا يحاسب المذنبون من الضباط والجنود الذين ارتكبوا أفعالاً يندى لها الجبين في سجن أبو غريب ، ألم يكفيهم ما فعلوه في أفغانستان وفيتنام وسواها من الدول ؟ لماذا الإصرار على إصدار قرارات بإدانة دول بعينها والتغاضي عن دول أخرى ؟ أين هو القانون الدولي مما يحدث من انتهاكات ؟ أين هو المجتمع الدولي مما يحدث من قلب للحقائق وتزييف للوقائع ؟ . إذا رغبتم  كعالم متحضر بأن تكونوا قضاةً فيجب أن تكونوا قضاة عادلين   قضاة يتمتعون بالحكمة والمسؤولية والمصداقية ، قضاة لا يضعون مصالحهم في المقام الأول بل يضعون مصلحة القضية التي يتولون التدقيق فيها المقام الأول ، فالقاضي عندما يصدر أحكاماً غير مسؤولة يتحول إلى سفاح .

 

لقد أصبحت إسرائيل بفضل سياسات أمريكا ودعمها السياسي والإعلامي وبفضل تضامن عدد من الدول الغربية الضحية ، وتحولت دولة إرهابية عنصرية ومن جلاد يمارس أقسى أنواع القمع إلى دولة بريئة تتعرض للإرهاب من الفلسطينيين ومن جيرانها العرب المحيطين بها من كل صوب وناحية ، لقد زرع الكيان الإسرائيلي في قلب فلسطين بالقوة بقرار من الأمم المتحدة تطبيقاً لوعد بلفور المشؤوم ، مع اعتراف في الوعد ذاته بوجود فلسطين . لقد خطط الغرب بأن تصبح المنطقة بأكملها ضعيفة ومقسمة إلى دويلات لتكون إسرائيل المستفيدة من هذا التقسيم ، والسؤال هو لماذا هذا الرفض الأمريكي والغربي من إعلان الدولة الفلسطينية ؟ لماذا يتم الضغط على القيادة الفلسطينية لمنعها من نقل هذا الملف إلى الأمم المتحدة ؟ لماذا التهديد الأمريكي بممارسة حق الفيتو لعدم إقرار قيام الدولة الفلسطينية ؟ ولماذا سارعت أمريكا ومن يدور في فلكها في الاعتراف سريعاً بجمهورية جنوب السودان التي أعلن عن استقلالها قبل أيام قليلة ؟ وهذه الدول ذاتها ستسارع بالاعتراف بأي جمهورية يتم الإعلان عنها في منطقة الشرق الأوسط لأن ذلك ينسجم مع مصالحها ومصلحة إسرائيل . نعم إن تقسيم الدول العربية هو المخطط الجديد فبالأمس قسم السودان إلى سودانيين ، والجميع يترقب انقسام اليمن إلى دولتين كما كانت في السابق ، مع ترجيحات بتقسيم ليبيا . واليوم بدأنا نسمع دعوات جديدة من قبل الأحزاب السياسية في العراق تطالب بإقامة أقاليم خاصة وهذا يؤسس في حال حدوثه لعملية تقسيم جديدة .

 

إن سورية تتعرض اليوم إلى المزيد من الضغوطات الاقتصادية والسياسية بهدف إجبارها على الخضوع للإملاءات الخارجية وفي مقدمتها إلغاء تحالفها مع إيران ، وعدم دعم حزب الله وحركة حماس ، وإقامة السلام مع إسرائيل وفق الشروط الأمريكية الإسرائيلية ، هذا هو الطريق الذي يريدون لسورية أن تسلكه وأن تعتمده نهجاً لها ، وعندما توافق سورية على هذه الشروط فإن الأزمة سـتنتهي وكأن شيئاً لم يكن كما أعلنت وكيلة وزارة الدفاع الأمريكية ميشيل فلورنوي .

 

 إننا في سورية مع السلام العادل والشامل ولكننا مع استرجاع أي شبر من جولاننا المحتل مثلما هو الحال بالنسبة لبقية الأراضي العربية المحتلة ، إننا نقف ضد الاحتلال الإسرائيلي لأنه يتنافى مع مبادئ القانون الدولي ، لقد مارست الدول الغربية الضغوطات على سورية منذ عقود طويلة لأنها تنطلق وفق مصالح إسرائيل . أنتم  كشعوب أوروبية لا يهمكم الاستماع بإيجابية إلى وجهة النظر السورية حيال الصراع العربي الإسرائيلي وحيال ما تشهده البلاد من أزمة داخلية ، أنتم لم تتركوا للحوار السوري – السوري مجالاً بل سارعتم أثناء انعقاد مؤتمر الحوار التشاوري إلى شن حملة تحريض مبرمجة ضد سياسات سورية ، لقد كانت لهجتكم منذ بداية الأزمة لغة الوعيد والتهديد ، هذه اللغة التي ترفضها سورية حكومةً وشعباً معارضة وموالاة جملة وتفصيلاً ، صحيح أن البعض قد يوافقكم الرأي بضرورة تصعيد المواقف وصولاً إلى غاياتكم برؤية سورية ممزقة ، ولكنهم لا يمثلون إلا القلة من أطياف الشـعب ، وقد يكون لديهم مصالح في إثارة المزيد من الفوضى خدمة لأهداف يحلمون بتحقيقها ، إننا في سورية نرفض أي تدخل خارجي كان بشؤوننا الداخلية   مثلما ترفضون أنتم أي تدخل خارجي بشؤونكم الداخلية أو سياساتكم الخارجية ، إننا في سورية نمتلك القدرة بحل مشاكلنا للتحول إلى بلد أكثر ديمقراطية وحرية وقوة إيماناً منا بأن هذا سيترجم على أرض الواقع من خلال استمرار الحوار الحر الجريء الذي تم انتهاجه وسيلة للتخاطب مع المعارضة لتحقيق مطالبها العادلة وفي مقدمتها القضاء على الفساد وإلغاء المحسوبيات ، وإجراء تغييرات كبيرة في قوانين الانتخابات والأحزاب والإعلام والإدارة المحلية وتغيير الدستور وليس تعديل بعض المواد منه . وتحقيق ذلك على أرض الواقع يتطلب إرادة حقيقية من كلا الأطراف ، فإذا استجاب طرف ورفض الطرف الآخر فإن الحوار سيصل إلى آفاق مسدودة ، ولهذا فالرسالة يجب أن تكون واضحة الأهداف والمعالم يتوجب على أبناء الشعب الالتزام بما اتفق عليه خلال مؤتمر الحوار التشاوري لأنه سيؤسس لمرحلة الحوار الشامل ، يجب سماع الرأي الآخر ومناقشة ما جاء فيه ومنح المساحة الكافية من الحرية المطلوبة ، لأننا أولاً وأخيراً نترقب الإصلاحات المنشودة لأنها ستنعكس إيجاباً على جميع المواطنين سواءً أكانوا من المعارضة أو الموالاة .

 

 لنفتح صفحة جديدة في تاريخ سورية ، ولننسى أخطاء الماضي لأن مصلحة البلاد واستقرارها هو الهدف الأسمى الذي ينشده الجميع سواءً أكانوا يعيشون داخل الوطن أو خارج حدوده . لنؤسس سويةً إلى مرحلة جديدة كي تصبح سورية أكثر قوة ، فإننا نمر بمرحلة مفصلية في تاريخنا تكون مقوماتها الأساسية سورية الأكثر ازدهاراً وتطوراً وتسامحاً وألفةً ومحبة ً، ونتمنى أن يتحقق ذلك بأسرع وقت ممكن . لندع الحوار نهجاً لنا ولنبتعد موالاة ومعارضة عن لغة القوة والتهديد لأن طريقهما واضح المعالم ، وهو خراب سورية وتدميرها وتفتيتها إلى دويلات صغيرة وهذا ما يحلم البعض في تحقيقه ، ولكننا نتمنى أن يبقى ذلك حلماً يراودهم لأن سورية قوية بشعبها وجيشها وحبها وانتماءها للوطن .

2011-07-23
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد